وسبب الضلال عن طريق الحق هو أن ابتغاء الحياة الدنيا أصبح هو الهدف المسيطر دون إيجاد التوازن المنشود بين الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (?) . لذا حدث الانحلال الذي أخذت تنهار أمام هجماته الشرسة صروح القيم ومكارم الأخلاق الإنسانية التي عرفتها الشعوب منذ الأزل، وأخذت الحضارة الإنسانية تهتز من قواعدها، وأصبحت القيم العليا تحني رأسها خجلا من واقع مرير تحكمت فيه الشبهات والأهواء النفسية والشهوات الجسدية من ناحية، والأهداف المادية والنفعية من جهة أخرى.
وإذا نظرنا إلى عالم اليوم وجدنا الشبهات تغلبه وتعمه، فأغلب المجتمعات يعمها الشرك والكفر والإلحاد، فمنهم من يعبد ما صنعت يداه من تماثيل وأصنام، ومنهم من يعبد الحيوان والشجر، ومنهم من يعبد الشمس والقمر والكواكب، ومنهم من يعبد النار، ومنهم ملحد خاو لا يعبد شيئا، هذا من ناحية الشبهات، أما من ناحية الشهوات فحدث ولا حرج عن انتشار تعاطي الخمور والمخدرات وانتشار دور الميسر والدعارة تحت رعاية الجريمة المنظمة وغير المنظمة، إضافة إلى انتشار المعاملات الربوية التي تئن تحت وطأتها شعوب كثيرة وتنهار أمام جبروتها مؤسسات ودول في مناطق عديدة من العالم، وهذا الوضع المخزي أدى بطبيعة الحال إلى الانحلال الفكري والخلقي وتفكك الترابط الأسري وكثرة حالات الطلاق والإجهاض والأطفال غير الشرعيين إضافة إلى تفشي جرائم العنف والأمراض المعدية والأمراض النفسية الخطرة في كثير من المجتمعات. قال تعالى:
ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (?) .
من هنا فإنه لا مجال لمقاومة هذا الانهيار إلا بالرجوع إلى أسس الفضيلة المتمثلة في مكارم أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم باعتباره الرحمة المهداة والنعمة المسداة للبشرية جمعاء، يقول الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (?) .
إن الرجوع إلى الصراط المستقيم يقتضي أن نتخذ من أخلاقه العظيمة أساسا للتربية الإسلامية، حتى نستطيع التصدي لمخاطر هذا الانحلال الفكري والثقافي، يقول الله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (?) ، ويقول سبحانه: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (?) . فالعالم الإنساني لا نور له ولا رحمة فيه إذا هو تجرد عن الأخلاق وإن أزمات الحضارات ما اندثر منها وما بقي إنما يعود إلى انحلال الأخلاق (?) .
ثانيا: أن نضع في اعتبارنا أن هناك ثورة هائلة في عالم الاتصالات، وسرعة مذهلة في إيقاع الحياة العصرية هذه الثورة، وتلك السرعة، جعلتا الكون كله قرية صغيرة يلهث فيها الأفراد وراء المعلومات السهلة الميسرة، وعلى ضوء هذه المستجدات سنحت فرصة حقيقية وطيبة سخرها الله تعالى وقادها لنا من أجل تقديم قيم أخلاق التربية