ينقسم الابتلاء عدة انقسامات باعتبارات مختلفة، فإذا نظرنا إلى الابتلاء من حيث المادة التي يحصل بها من نحو الأموال والأنفس والثمرات وجدنا له مجالات عديدة، وإذا نظرنا إليه من حيث الأشخاص أو الجماعات أو الأمم وجدنا له أنواعا مختلفة، فإذا تجاوزنا ذلك إلى الشكل الذي يتشكل فيه من نحو السراء أو الضراء، من حيث الطاعة أو المعصية وجدنا له مظاهر متباينة،
سبق أن ذكرنا أن الدنيا هي دار ابتلاء، إذ هي بمثابة القاعة (أو الساحة) التي يجري فيها الاختبار، وهي أيضا الزمن المقرر لهذا الاختبار، أما مجالات هذا الاختبار، ومواد ذلك الامتحان، فتتلخص فيما على هذه الأرض من ثروات ومنتجات وزينة وما يجري فوقها من عمران، يقول الله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (?) .
وإضافة إلى ذلك فإن الابتلاء يكون أيضا في مجال الأنفس من نحو الصحة والسقم، والقوة والضعف، والسعادة والشقاوة، كما يكون في الأموال من نحو الفقر والغنى، والعوز والرفاهية، وقد أشار المولى- عز وجل- إلى المجالين جميعا فقال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (?) ، وقال عزّ من قائل: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (?) .
ويلحق بالأموال ويتبعها كل ما يشابهما من الجاه والسلطان والممتلكات العقارية ونحو ذلك، أما الأنفس فيلحق بها ما يصيب الإنسان في أبنائه أو أقاربه أو أحبائه من نحو الصحة والمرض، والحياة والموت، والنجاح والفشل وما أشبه ذلك.
للابتلاء- بالنسبة لمن يقع عليه- أنواع عديدة أهمها:
الابتلاء على مستوى الإنسان بوجه عام، ويمكن أن نطلق عليه ابتلاء التكليف وحمل الأمانة، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (?) ،