جهة الشهوات ولهذا كان السلف يقولون «احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه» .
قال تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (?) .
وكانوا يقولون «احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون» . وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة، ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (?) . فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة (?) .
الفرق بين الفتنة والاختبار: هو أن الفتنة أشد الاختبار وأبلغه، ويكون في الخير والشر ألا تسمع قوله تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ*
(?) . وقال تعالى: لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ (?) . فجعل النعمة فتنة لأنه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذهب إذا أريد المبالغة في تعرف حاله أدخل النار، والله تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشر وإنما المراد بذلك شدة التكليف.
أما الفرق بين الاختبار والابتلاء: فهو أن الابتلاء عادة لا يكون إلا بتحميل المكاره والمشاق. والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب ألا ترى أنه يقال اختبره بالإنعام عليه ولا تقول ابتلاه بذلك ولا هو مبتلى بالنعمة كما قد يقال إنه مختبر بها ويجوز أن يقال: إن الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك، والخبر العلم الذي يقع بكنه الشيء وحقيقته فالفرق بينهما بين. والفتنة تأتي أيضا بمعنى الابتلاء كما في قوله تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (?) .