هذا ويرتبط مفهوم الابتلاء بمفهوم آخر يتعلق به تعلقا شديدا وقد يرادفه أحيانا، ألا وهو مفهوم الفتنة، وسنعرض لهذا بإيجاز- فيما يلي.

الفتنة لغة:

الفتنة مصدر قولهم: فتنه يفتنه فتنا وفتنة، وهي مأخوذة من (ف ت ن) التي تدل على الابتلاء والاختبار، وأصل الفتن إحراق الشيء بالنار لتظهر جودته من رداءته (?) .

الفتنة اصطلاحا:

تعني الفتنة ما يبين به حال الإنسان من الخير والشر (?) . وقال المناوي: الفتنة: البلية وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة (?) . وقال ماجد كيلاني: الفتنة هي الامتحان أو الاختبار المذهب للعقل أو المال أو المضل عن الحق (?) .

أنواع الفتنة:

يقول ابن القيم: الفتنة نوعان: فتنة الشبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد.

وقد ينفرد بإحداهما.

أما النوع الأول وهو فتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى.

وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم.

وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب. وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة. ولا ينجى من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول، وتحكيمه في كل أمور الدين ظاهرة وباطنة.

أما النوع الثاني من الفتنة ففتنة الشهوات. وقد جمع سبحانه بين الفتنتين في قوله: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ (?) . أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها، والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا (?) . فهذا الخوض بالباطل، وهو الشبهات. فأشار- سبحانه- في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح. فالأول: هو البدع وما والاها، والثاني: فسق العمل. فالأول: فساد من جهة الشبهات والثاني: من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015