إن جوهر العلاقة بين النفس الإنسانية والحياة الدنيا هي علاقة ابتلاء وتمحيص وفتنة، وسنشير بإيجاز لمعنى كل من النفس والابتلاء والفتنة تمهيدا للحديث عن مظاهر هذا الابتلاء وأنواعه ونتائجه.
الابتلاء والفتنة:
لفظ «الابتلاء» مأخوذ من مادة (ب ل و) التي تدل على نوع من الاختبار من ذلك قولهم: بلي الإنسان وابتلاه الله أي اختبره، قال الشاعر:
بليت وفقدان الحبيب بليّة ... وكم من كريم يبتلى ثمّ يصبر
ويكون البلاء بالخير والشر، والله- عز وجل- يبلي العبد بلاء حسنا وبلاء سيئا، وذلك راجع إلى معنى الاختبار لأنه بذلك يختبر صبره وشكره، وبلوته تأتي أيضا بمعنى جزيته (?) ، وتأتي كذلك بمعنى استخبرته، يقال:
بلوته فأبلاني أي استخبرته فأخبرني، والاسم من الابتلاء: البلوى والبلية والبلاء والجمع من ذلك: بلايا (?) ، وفي الحديث: «اللهم لا تبلنا إلّا بالتي هي أحسن» ويقال: أبلاه الله بلاء حسنا إذا صنع به صنعا جميلا، وقال ابن قتيبة:
يقال: من الخير أبليته ومن الشر بلوته (?) ، وعقب على ذلك الرأي ابن منظور فقال: والمعروف (في اللغة) أن الابتلاء يكون بالخير وبالشر معا من غير فرق بين فعليهما ومن ذلك قوله تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (?) ، (?) ، وقال ابن بري: يأتي الابتلاء أيضا بمعنى الإنعام كما في قوله- عز من قائل-: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (?) . أي إنعام بيّن، وقال تعالى في قصة سليمان عندما سخّر له من يأتيه بعرش بلقيس في طرفة عين: قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ (?) ، وفي الحديث: «من أبلي فذكر فقد شكر» قال ابن الأثير: الإبلاء «هنا» هو الإنعام والإحسان (?) .
قال الكفوي: الابتلاء: التكليف في الأمر الشّاقّ، ويكون في الخير والشر معا، ولكنهم (عادة ما) يقولون:
في الخير أبليته إبلاء وفي الشر: بلوته بلاء (?) .
وقال المناوي: البلاء كالبلية: الامتحان، وسمي الغم بلاء لأنه يبلي الجسد (?) .
وقال ماجد كيلاني: الابتلاء هو اختبار مدلول العبادة بمظاهرها الدينية والاجتماعية والكونية وهو المظهر العملي لعلاقة العبودية بين الله- عز وجل- والإنسان (?) .