إن مسئولية الإنسان عن أعماله في الدنيا قد يستطيع الإفلات منها بطريقة ما، ولكن المسئولية في الدار الآخرة لا يمكن بحال إلا أن تكون سيفا بتّارا على أعناق الظالمين والطغاة.
لا شك أن هناك علاقة وثيقة بين المسئولية في الدارين لأن المسئولية الاجتماعية في الدنيا هي نتيجة لازمة لعلاقة المسئولية في الآخرة وتتطابق معها. وهي الحلقة التي تربط بين مواقف الإنسان في الدنيا والآخرة وتجعلهما طورين متعاقبين من الابتلاء والجزاء.
والمسئولية الاجتماعية في الدنيا دوائر وميادين بعضها أكبر من بعض. وهي تبدأ بالفرد وتنتهي بالإنسانية كما يلي:- 1- مسئولية الفرد عن نفسه وعن ما منحه الله من قدرات عقلية وسمعية وبصرية وجسدية ونفسية ليستعملها فيما خلقت له طبقا لأوامر الله ونواهيه.
2- مسئولية الفرد عن أسرته وتشمل مسئولية الوالد عن الأبناء والبنات، ومسئولية الولد عن الوالدين، ومسئولية الزوجين كل عن الآخر.
3- مسئولية الأرحام بعضهم عن بعض.
4- مسئولية الفرد عن الأمة، ومسئولية الأمة عن الفرد فيما يزيد في تقدم الأمة ويحفظ مقدراتها وأمنها، وفيما يوفر للفرد العيش الكريم والأمن والاستقرار، ويتفرع عن هذه المسئولية فروع عديدة مثل مسئولية الحاكم عن الشعب، والقوي عن الضعيف، والغني عن الفقير.
5- مسئولية الجيل عن الأجيال اللاحقة في إعدادها لمتطلبات حياتها عقائديا واجتماعيا واقتصاديا وكل ما يساعدها على عبور مستقبلها بنجاح.
6- مسئولية الأمة عن الأمم.
7- مسئولية الإنسان عن المخلوقات باعتباره خليفة الله في الأرض، وأن المخلوقات كلها عيال الله وأحبها إلى الله أبرهم بعياله. وتتسع هذه المسئولية حتى تشمل الإنسان والحيوان والنبات والجماد (?) .
أما المسئولية في الآخرة فهي مسئولية فردية يتحمل فيها الإنسان بمفرده نتيجة عمله دون تأثير على الآخرين من حيث الثواب أو العقاب، يقول تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (النجم/ 39- 41) ، ومما لا شك فيه أن إضلال الآخرين أو هدايتهم يقع في إطار هذه المسئولية الفردية يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام مقررا ذلك: «من سنّ خيرا فاستن به كان له أجره، ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن سنّ شرّا، فاستن به كان عليه وزره، ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا» (?) .