عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ , ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ , أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ قَبْلَهُ" انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"؛ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا1 عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، فَذَكَرَهُ أَيْضًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ، فَذَكَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مُرْسَلًا، وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ قَالَ فِيهِ: عَنْ حُذَيْفَةَ غَيْرَ جَرِيرٍ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ هَذَا ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الصَّحْوِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْغَيْمَ، أَوْ عَلَى مَا إذَا غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَهِلَالُ شَوَّالٍ، كَمَا سَبَقَ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ، فَإِنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَإِنَّ تَسْمِيَةَ حُذَيْفَةَ، وَهْمٌ مِنْ جَرِيرٍ، فَظَنَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ هَذَا تَضْعِيفٌ مِنْ أَحْمَدَ لِلْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِمُرْسَلٍ، بَلْ مُتَّصِلٌ، إمَّا عَنْ حُذَيْفَةَ، وَإِمَّا عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام، وَجَهَالَةُ الصَّحَابَةِ غَيْرُ قَادِحَةٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد2 عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ مِنْ هِلَالِ شعبان مالا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ يَصُومُ رَمَضَانَ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ عَدَّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامَ، انْتَهَى. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَهَذِهِ عَصَبِيَّةٌ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرْضَى مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، قَالَ فِي "التَّنْقِيحِ": لَيْسَتْ الْعَصَبِيَّةُ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِنَّمَا الْعَصَبِيَّةُ مِنْهُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حاتم: سألت عَنْهُ، فَقَالَ: حَسَنُ الْحَدِيثِ، صَالِحُ الْحَدِيثِ. وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ"، وَلَمْ يَرْوِ شَيْئًا خَالَفَ فِيهِ الثِّقَاتِ، وَكَوْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ كَانَ لَا يَرْضَاهُ، غَيْرُ قَادِحٍ فِيهِ، فَإِنَّ يَحْيَى شَرْطُهُ شَدِيدٌ فِي الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرْوِ إلَّا عَمَّنْ أَرْضَى، مَا رَوَيْت إلَّا عَنْ خَمْسَةٍ. وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، غَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أصحاب الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ، كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.