وأهم من ذلك أن العمل بالعلم سبب لتوفيق الله تعالى إلى العلم والزيادة منه، وكما قال تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله) (?) .
وهذا أمر يختلف فيه الأشخاص، باختلاف أحوالهم وظروف طلبهم للمعاش وغير ذلك. غير أن الذي يذكره أهل التجربة، هو أن أفضل الأوقات للحفظ: الليل عموماً، والفجر، ويخصون من الليل آخره وهو وقت السحر، بشرط أن يكون طالب العلم قد نام من أول الليل، وأخذ حاجته من النوم.
ومن جميل الوصايا في ذلك، ما ذكر من أن المنذر قال للنعمان ابنه "يا بني، أحب لك النظر في الأدب بالليل، فإن القلب بالنهار طائر، وبالليل ساكن، وكلما أوعيت فيه شيئاً علقه" (?) .
فتعقب الخطيب البغدادي هذه الوصية بقوله "إنما اختاروا المطالعة بالليل لخلو القلب، فإن خلوه يسرع إليه الحفظ، ولهذا (لما) قيل لحماد بن زيد: ما أعون الأشياء على الحفظ؟ قال: قلة الغم. (قال الخطيب (وليس تكون قلة الغم إلا مع خلو السر وفراغ القلب، والليل أقرب الأوقات إلى ذلك" (?) .
وقال إسماعيل بن أبي أويس: "إذا هممت أن تحفظ شيئاً، فنم، ثم قم عند السحر، فأسرج، وانظر فيه، فإنك لا تنساه - بعد إن شاء الله") (?) (.
واشتهرت كلمة الحسن البصري التي يقول فيها: "طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر" (?) ، وذاد بعضهم ما معناه: والعلم في الكبر كالنقش في النهر (?) .