في أخريات الناس، فوضعت الرمح بين كتفيه، فقال: لا إله إلا، فرفعت الرمح فقال: إلا اللات أحسنت أو أسأت! فهمسته همسة أذريته وقيذا. ثم أخذته أسيراً فشددت وثاقة، ثم كلمته فلم يكلمني، واستخبرته فلم يخبرني. فلما كان ببعض الطريق رأى نسوة من بني جذيمة يسوق بهن المسلمون، فقال: هل أنت واقفي على هؤلاء النسوة؟ ففعلت، وفيهن جارية تدعى حبشية، فقال لها: ناوليني يدك، فناولته يدها في ثوبها، فقال: اسلمي حبيش على انقطاع العيش! فردت عليه التحية، وقال شعراً منه:
فقد قلت إذ أهلي وأهلك جيرة ... أثيبي بود قبل إحدى العوائق
قال: فغاظني ما رأيت من غزله وشعره على حاله تلك، فضربت عنقه".
ومن واجب الأدب: أن اسم هذا العاشق عمرو بن علقمة، وكان من شجعان قومه وشعرائها، وكان يهيم بابنة عمه حبشية. ولما اشتهر حبه لها حجبت عنه، فزاد غراماً وتغزلا فيها، فقالوا لها: عديه، فإذا أتاك [فقولي] له: نشدتك الله لم تحبني، ووالله ما على الأرض أبغض إلي منك! ونحن قريب نسمع ما تقولين. فوعدته، وأقبل لوعدها، فلما دنا منها دمعت عينها والتفتت إلى حيث أهلها فعرف أنهم قريب فرجع، وبلغه ما قالوا لها أن تقول، فقال: