باختلاف البواعث والدواعي وميل النفوس بحسب مرادها، فعلى هذا لا يخص نوعا دون نوع من أحد الأجناس، كما ترشد إليه أدلة التجربة والقياس، غير أنه مختلف الرتب، كما لا يخفى على ذوي الأدب، وقد صح أن الإنسان أفضل الموجدات، لعلمه بأحكام الأحوال المختلفات، فلذلك كان واسطة نظام هذا الشأن، ثم يليه الأقرب فالأقرب من أنواع الحيوان، حتى ينتهي القول إلى الأجرام العنصرية، وما بينها وبين الطبقات السماوية، وهذا النوع ينتظم في خمسة أقسام: الأول: في الطيور، وهي ألطف الحيوان مزاجا، لانحلال كثيفها بخرق الهواء، وذهاب فضلاتها في نحو الريش، فلذلك داخله التألم بالنوى، قالوا: إن أوفى الطيور في المحبة القمري والشفني، أعني: الفاخت، وإنه إذا مات أحد الزوجين تعذب الآخر، فلم يأنس حتى الموت، وكثيرا ما سمعنا عن نحو البلبل والشحرور الحنين إلى الغناء والملاهي والأصوات الحسنة، وإن بعض الطيور نزل على يد بعض الوعاظ حتى مات. وحكي عن سفيان، أن بلبلا كان لوالده، وأنه أقام يرعى ويأتي البيت، حتى قيل: إنه مضى مع الناس يوم موته إلى القبر، ورجع، فاضطرب حتى مات. وأما قصة الزاغ فمشهورة جدا.