مكروبين قائلين: «يا بن عبد المطلب، يا بن سيد قومه، أنتم جيران الله، تفكون العاني، وتطعمون الجائع، وقد جئناك في ابننا، فتحسن الينا في فدائه؟» .

وكان ردّ الكريم أبلغ الرد الذي يقطر عطفا وحدبا وبرا وأريحية فقال لهما:

أو غير ذلك؟» .

قالا: «وما هو؟» .

قال: «أدعوه وأخيره، فإن اختار كما فذاك، وإن اختارني فو الله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا» .

قالا: قد زدت على النصفة.

ودعي زيد (?) ، فعرف أباه وعمه، وخيّره رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شاء ذهب معهما، مع أبيه وعمه، وإن أحب أقام معه ...

لكن انطلقت كلمة الحق الذي لا تخالجه مصانعة، والصدق الذي لا تخامره مداهنة، واليقين الثابت الذي لا يخالطه تردد أو تقاعس ... انطلقت على لسان زيد من غير مواربة، ومن غير احتراس ولا اكتراث، وهو يعلم أن أباه وعمه لقيا الأمرّين من أهوال البحث والتنقيب عنه، ويدرك جيدا مدى الهم والغم والعنت الذي لحق بأهله من جرائه وبسببه، لكن يصدع بما في طويته ودخيلته فيختار سيده محمدا بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

ولم تنفع ضراعة أبيه وعمه بين يديه، ولا نفعت توسلات أبيه إليه وتذكيره بوالديه وقومه ومسقط رأسه. ثم يقول زيد ردا على ذلك كله:

«إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا، وما أنا بالذي أفارقه أبدا» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015