قال له أبوه:

«يا زيد، أتختار العبودية على أبيك وأمك، وبلدك، وقومك؟» .

وقال غير ذلك، ولم يتردد زيد لحظة واحدة ولم يبد غير التصميم والإصرار والثبات على الأمر من غير وجل أو تردد أو تقاعس، فلم يتحول عن موقفه ولم يعدل عنه رغم كل هذا الإلحاح والتوسل.

إنه لأمر أعجب من العجب ... مثير للدهشة والاستغراب، وهو إيثار واختيار العبودية على الطلاقة والحرية، لا يمكن أن يسبق إلى ظن أو توهم أو اعتقاد ... وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يزداد تمسكا بزيد واحتضانا له وتكريما لشأنه كفاء هذا الموقف الندب الذي خلعه عليه صلى الله عليه وسلم ... إذ إن هذا التصرف من زيد تكريم أي تكريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن يكون الرق والتمليك له شرفا وفخرا ومجدا فوق النسب والحسب، والأهل والعشيرة وكل الأحباب والخلان. بأبي أنت وأمي يا رسول الله ... !! وعاد أبوه وعمه مخذولان يضربان أصدريهما، قافلين بخفي حنين (?) .

أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وأمسك بيده على رؤوس الأشهاد، وقام به إلى الملأ من قريش فأشهدهم أنّ زيدا ابنه وارثا ومورثا.

ومنذ تلك اللحظة كان زيد يدعى زيد بن محمد.

ثم لما أن بلغ الصبي مبلغ الرجال، وأكرمه الله تعالى بالإسلام، حيث كان من الأربعة نفر الأولين السابقين زاد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم له،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015