ظل هذا الموضوع حديث الناس وشاغلهم؛ الصادر منهم والوارد على مدى شهر كامل ... حتى بلغت الطامّة أقصى مداها، وغاية منتهاها، وذلك بوصول هذا الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونما إلى أبي بكر رضي الله عنه، وكذلك إلى زوجه أم رومان، وكانت ثالثة الأثافي والأسى والحزن الذي لا مزيد عليه، وما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن جفا عائشة وبدت على مخايل وجهه الكريم ما لم يسبق رؤيته عليه من كابة وحزن وامتعاض، وشعرت أم المؤمنين عائشة أنها صارت معدولا ومرغوبا عنها، مزهودا فيها، شبه متروكة ... فأثر هذا الشعور فيها وعليها أبلغ التأثير ...
إن الإدبار بعد الإقبال، والنفور بعد التعلق من أبلغ العقوبات عند آحاد الناس، لكنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون ذا بلاغة مخصوصة لا تدانيها بلاغة، بل ويكون من أغلظ العقوبات المهذبة الكريمة ... ولم تطق السيدة عائشة رضي الله عنها هذا الجفاء غير المسبوق من حبيب القلب والروح ... فاستأذنته أن تذهب بيت أهلها ... فأذن لها على الفور ... وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم، هو الذي طلب منها ذلك. وعلى أية حال فقد كانت صدمة أبي بكر وأم رومان، من أصعب وأشق ما نزل بهما في حياتهما.
ولئن كانت الأعراض مصونة، والاقتراب منها أو محاولة الطعن فيها جريمة غير مقبولة تماما مهما كان التبرير، إلا أن الأمر عندما يكون مختصا بابنة أبي بكر بن أبي قحافة يكون أكثر فداحة وخسارة والذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كل من أسدى إلينا يدا كافأناه بها ما خلا أبا بكر فإن له يدا يكافئه الله بها