وتعالى أن يستأصل شأفة الضلال والريب، ويظهر رسوله وصحبه، إذا بالسيدة الشريفة الفاضلة العجوز التي بلغت خمسا وستين سنة قد صارت خائرة القوى، واهية الجسم، متهالكة الأعضاء، وقد أخذ منها الجهد كل مأخذ، وفعل الزمن بها الأفاعيل، فلم يستطع جسمها المكدود مقاومة ولا دفعا لما لا يطاق، ولما لا يستطاع من الهموم والنوازل.

لم يمر على كسر حلقة الحصار وانهياره غير ستة أشهر حتى مات أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكافله بعد جده عبد المطلب، وراعيه في غدواته وروحاته، في وروده وصدوره، في حله وترحاله، وظعنه وإقامته.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستهدفا من أعدائه وخصومه إذ كان هدفا ودريئة وغرضا لأذاهم، فلما مات عمه الذي كان يذب عنه، ويحامي عنه ويمانع من حريمه، ويدفع عنه كل مكروه، شعر عليه الصلاة والسلام بانهيار ركن شديد كان يأوي إليه، فكأن بعضه قد ضاع منه، فكان حزنه على عمه لذلك شديدا لا يكاد يوصف، ولا يحتمل بحال.

إبّان رحيل عمّه إلى عالم الآخرة كانت الشريفة العفيفة المصون، زكية الذيل، طاهرة الأردان تعالج آلاما مبرحة غير مقدور عليها، وقد لاذت بالفراش تودع الحياة والأحياء، وتتأهب لساعة الرحيل، ومفارقة الحبيب الحليل الصابر المجاهد المحتسب المبعوث رحمة للعالمين، وهي مثقلة بالهموم إذ ترحل عنه وتترك له بناتها الأربع في تلك الظروف الحرجة، والتي كان محتاجا إليها فيها أشد الاحتياج، لكن الله سبحانه وتعالى أرفق وأرحم به.

لم يطل رقاد خديجة في فراشها طويلا إذ سرعان ما غشيتها المنية، وحلت بساحتها، وزارها الحتم المجاب بعد ثلاثة أيام فقط، وكانت وفاتها بين يدي الزوج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015