الحبيب الذي لم يكن رجلا كالرجال، ولا زوجا كالأزواج ولكنه كان ملاكا في صورة إنسان، وقد كانت له الرفيق الشفيق، والأنيس والملاذ.

وفاضت الروح إلى بارئها لهذه النفس المطمئنة راضية مرضية إلى رحاب الله ورضوانه.

وقد انتقلت إلى رحاب بارئها مرضيا عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، ولقد أقوت الدار بعدها من الأنيس، وأمحلت من الحبيب، فأصبحت عطلا وخلاء موحشة تنبو بالزوج المحب عن آفاق المكان ومحدود الزمان، وقد دفنها صلى الله عليه وسلم بالحجون.

كان بين مصيبة عمه ومصيبة فقد خديجة شهر وخمسة أيام فقط، فكانت هاتان الضربتان مؤثرتين في نفسه صلى الله عليه وسلم، فكان احتمالهما صعبا قاسيا، فقد فتّ في ساعده، وأنهك قواه، ونزل بساحته المكروه وحلت بعقوته المصاعب والمصائب من كل سبيل، وقد زاد الفجار الفسقة من القرشيين من إيذائهم له وهو مكدود الأوصال مهموم البال.

لذلك فقد أطبقت الظلمات من حوله بعضها فوق بعض، وقد أغرى المجرمين هذه الظروف القاسية فوهموا وظنوا أن انتصارهم عليه صار وشيكا بين عشية أو ضحاها، أو بين لحظة وأخرى ... وقد أعماهم وضللهم الحقد الدفين، والوغر المكتوم، والحزازة التي تأكل أكبادهم وتحرق صدورهم، وقد ردّ الله تعالى كيدهم إلى نحورهم، وأفلج حجته، ورفع درجته، وكسر شوكتهم، وألان عريكتهم، فكان حشدهم هو الخاسر المغبون، وتدابروا بقضهم وقضيضهم مدحورين مغلولين.

لذلك كان ذلك العام الذي توفي فيه أبو طالب وخديجة جديرا بأن يسمى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015