لكن ورد في الصحيحين، في الحديث المتفق عليه عن السيدة عائشة رضي الله عنها عن بدء الوحي، قالت: فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى، وكان امرآ تنصر في الجاهلية ... يكتب الإنجيل بالعبرانية، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عم، اسمع من ابن أخيك، فأخبره صلى الله عليه وسلم بخبر ما رأى وسمع، فقال له ورقة:
هذا الناموس الأكبر الذي نزل على موسى وعيسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا» (?) .
وانطلق الزوجان إلى بيتهما، وهما يدركان تماما خطورة المرحلة المقبلة عليهما، وظلت سنوات عديدة تتحمل إلى جواره ضروب الأذى، والاستطالة وغير المحتمل وغير المطاق من الاضطهاد والمعاناة من أرباب الكفر ورؤوس الشرك الوثنيين الذين رأوا في الدين الجديد تهديدا لمكانتهم في الجاهلية، وتقويضا لمراكزهم ومراسهم وأصنامهم الهالكة.
تجشمت خديجة مع محمد صلى الله عليه وسلم صنوفا من الإيذاء، وهي تذبّ عنه، وتحامي عن زوجها الذي كانت ملاذا له، وصدرا حنونا في وقت عزّ فيه النصير والمشايع.
بعاطفة الزوجية الحبيبة، وقلب الأم المشفقة شملته بحدب وإشفاق ينفض عن جبينه أتراح وهموم العنت الذي يكابده ويعتوره من أجلاف المشركين، الذين لم تأخذهم به رحمة ولا شفقة وقد ضربت عليه قريش سياجا منيعا من الحصار،