متماسكة لكن صفحة وجهها، ومرآة جبينها تنبىء عما يداخلها من أسى، وما يخالطها من لوعة، وما يخامرها من هوان وتهوين وتوهين ... وتتصاعد من حبيس صدرها تنهدات ينفلق لها الصخر ... وهي صابرة على بلواها ... ورآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيس الحاجة إلى الحدب والشفقة والحنان، فقال لها: هل لك فيّ؟ قالت: يا رسول الله، قد كنت أتمنى ذلك في الشرك، فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام؟

فأعتقها صلى الله عليه وسلم، وجعل عتقها صداقها ثم دفعها إلى أم سليم لتهيئها، ولتعتد عندها.

وانطلقت صفية من بين زمرة السبايا، إلى نسيم الحرية، ومن ذلة وهوان الكفر إلى عزة ورفعة الإسلام، وسمو شأنه. تركت أهلها المشركين مجندلين صرعى ونسيت تماما كل ما جرى لهم من الذبح والتقتيل، وقد مسحت من ذاكرتها كل تداعيات الأسى وأحزان المعركة التي قطفت فيها رؤوس أبطالها، وحصدت هامهم، وبقرت بطونهم ... في مذبحة مروعة ...

تهيأت صفية للزواج فور انقضاء عدتها، وبنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك أصبحت أمّا للمؤمنين ...

ثم تتداعى الذكريات القديمة في خواطر وخلجات العروس الشابة فتذكر رؤيا رأتها في ليلة عرسها بكنانة بن الربيع حيث رأت في منامها أن قمرا وقع في حجرها ... فلما أن صحت من نومها قصت رؤياها على كنانة، غضب غضبا شديدا، وقال لها: «ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا» ، ولطم وجهها لطمة ما يزال أثر منها فيه.

وكانت صفية رضي الله عنها جميلة وضيئة في خير عمرها وشبابها مما حدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015