فكان يشق على كل ذى لغة منهم أن يتحوّل إلى غيرها من اللّغات، ولو رام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسّع لهم فى اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك، حتى كثر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه، ولم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها، وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت فى وقت خاص، لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد».
قال أبو عمر: «وهو الذى عليه الناس فى مصاحفهم وقراءاتهم من بين سائر الحروف، لأن عثمان رضى الله عنه جمع المصاحف عليه» قال: «وهذا الذى عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه، وتجوز الصلاة به، وبالله العصمة والهدى» (?).
فالواضح من ذلك أن يكون الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش ومن جاورهم من فصحاء العرب، ثم أباح للعرب المخاطبين به المنزّل عليهم أن يقرءوه بلغاتهم التى جرت عادتهم باستعمالها، على اختلافهم فى الألفاظ، واتفاقهم فى المعنى، ولم يكلّف بعضهم الانتقال من لغة إلى غيرها لمشقة ذلك عليهم، ولأن العربى إذا فارق لغته التى طبع عليها يدخل عليه الحميّة من ذلك، فتأخذه العزّة، فجعلهم يقرءونه على عاداتهم وطباعهم ولغاتهم منّا منه عزّ وجلّ لئلا يكلفهم ما يشق عليهم، فيتباعدوا عن الإذعان، وكان الأصل على ما عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الألفاظ والإعراب جميعا مع اتفاق المعنى، فمن أجل ذلك جاء فى القرآن ألفاظ مخالفة ألفاظ المصحف المجمع عليه، كالصوف، وهو: كَالْعِهْنِ (?)، وزقية، وهى: صَيْحَةً (?)، وحططنا، وهى: وَضَعْنا (?)،