بالقضايا الخلافية التي يرفعها المسلمون، ويحكم فيها القضاة المسيحيون والحكام

الوثنيون، ورأى جمود العلماء على المنهج الدراسي القديم الذي يسمى بالدرس النظامي، وعضهم

عليه بالتواجد مع شدة حاجة العصر إلى تطويره وتنقيحه فحمله كل ذلك على تأسيس ندوة للعلماء

لتبادل الفكر والرأي، وتنسيق الجهود في إصلاح التعليم والمسلمين، ووهب نفسه وعقله، وعنايته

لهذه الحركة ومركزها، وأصبحت له الشغل الشاغل، اشتغل بإدارة ندوة العلماء وتحقيق مشاريعها

وأهدافها، ووقع بينه وبين بعض زملائه من أعضاء الندوة خلاف في بعض المسائل التعليمية

والإدارية ولجت به الأمراض واعتراه الضعف، وجذبته دواعي الشوق وتربية النفوس، وحب

العزلة، فقدم استقالته عن إدارة ندوة العلماء، وقبلت مع التأسف لسبع بقين من ربيع الآخر سنة إحدى

وعشرين وثلاثمائة وألف، واعتزل في زاويته، في مدينة مونكير في ولاية بهار فأقبلت عليه الدنيا،

وقصده الراغبون في الإصلاح والتربية من كل جانب، وصار المقصد والمرجع في هذا الشأن.

وفي هذه الفترة زحفت القاديانية على ولاية بهار بقوة وعزم، واضطربت عقيدة كثير من المتعلمين

والموظفين، فنهض مولانا محمد علي وصمد لها يقاومها بالدعوة والمناظرة، وأصبح لا يهدأ له بال

ولا يقر له قرار، يؤلف الرسائل والكتب في الرد عليها، ويكتب الكتب إلى أصحابه، ويحثهم على

مقاومة هذه الفتنة، وبذل النفس والنفيس في هذا الشأن في سبيلها، ويؤثر ذلك على النوافل

والطاعات، والأوراد والأذكار، ويعتقده أفضل الأعمال وأعظم القربات، وقد ألف نحو مائة مؤلف بين

رسالة وكتاب كبير، طبع منها أربعون كتاباً باسمه، وطبع أكثرها باسم غيره، ووقعت مناظرة بين

علماء القاديانية وبين علماء أهل السنة في سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف، واهتم لها مولانا محمد علي

اهتماماً كبيراً، ولقيت القاديانية في هذه المناظرة هزيمة منكرة، وتراجعت وخلا الجو.

وعكف مولانا محمد علي على الذكر والعبادة وتربية النفوس، وانقطع إلى الإرشاد والتعليم، وتأليف

الكتب في الرد على أهل الأهواء والبدع مع استغناء وتوكل، وزهد وقناعة، وبذل وسخاء، ومالت

إليه قلوب العباد، وتهافت عليه الناس وبايعه خلق لا يحصون بحد وعد، وقد قدر بعض الناس أن

عدد من بايعه يبلغ إلى أربعمائة ألف، وتغيرت أخلاق الناس وصلحت أحوالهم، وقد غلب عليه الحب

والاستغراق في آخر حيات، وقوي تأثيره، وانتشرت بركته.

كان مولانا محمد علي عالماً ربانياً، ومصلحاً كبيراً، صاحب جذبة إلهية ونسبة قوية، أثنى عليه

شيخه مولانا فضل الرحمن الكنج مراد آبادي، ثناء بالغاً، وقال إن روحه من بقية أرواح المتقدمين،

وإن أمثاله قليلة في كل عصر، وكان من العلماء المطلعين العاملين الذين عملوا لنهضة الإسلام

والمسلمين، وإعلاء شأن العلم والدين، وكان شديد الغيرة على الإسلام، شديد الحمية قوي الدفاع عن

العقيدة الصحيحة وحرمات الدين، شديد الاشتغال بما ينفع الإسلام والمسلمين، قوي الإفاضة على

الطالبين المسترشدين، شديد الاتباع للسنة شديد المحبة لله وللرسول، تروى له كشوف وكرامات،

ووقائع في التأثير، واسع الصدر سمح النفس، كثير التعاون مع أصحابه، كثير الاحتمال للآراء

المختلفة، متصلباً في الأصول والمحكمات، متوسعاً في الجزئيات والخلافيات.

كان ممدود القامة، مكتنز اللحم، أسمر اللون، عريض ما بين المنكبين، وساع الجبين، أسيل الوجه،

له معرفة بالرياضيات البدنية، يجيد السباحة، دائم البشر، واضح الصوت، له لحن شجي في قراءة

القرآن، وقوراً مهيباً، يحب النظافة والأناقة في كل شيء، لا يراه أحد في وسخ أو تبذل، كثير

الحياء، يحسب كل جليس أنه أحب إليه من غيره.

وكان إذا صلى الفجر جلس لأولاده، وخاصة أصحابه، ثم اشتغل بالذكر والتسبيح، ثم يتناول الشاي

ويحضره خواص ضيوفه، ثم يقبل على التأليف والتحرير، ثم يتناول الغداء ويقيل، ثم يصلي الظهر

ويجلس بعد الظهر للمريدين والطالبين، ويبايع من يرغب في ذلك، ويتناول الشاي، ويتفقد الضيوف

ويؤانسهم، ويتحدث في العلم والدين، ثم يصلي العصر، ويشتغل بالذكر والتسبيح، وقد يتنزه في

حديقة البيت، ويشتغل بعد صلاة المغرب بالأذكار والأوراد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015