الشيخ عبد العزيز المذكور، وسمع

منه شطراً من صحيح البخاري، ثم رجع إلى بلدته ولبث بها برهة من الزمان، ثم سافر إلى دهلي ما

توفي الشيخ عبد العزيز، فلازم سبطه الشيخ إسحاق بن محمد أفضل العمري وقرأ عليه الصحاح

الستة، وأخذ الطريقة عن الشيخ محمد آفاق النقشبندي الدهلوي، وصحبه مدة حتى نال حظاً وافراً من

العلم والمعرفة، ثم عاد إلى بلدته وأقام بها زماناً، ولما توقيت أم عياله انتقل إلى كنج مراد آباد على

أربعة أميال من ملا نوان وتزوج بها وسكن، ولكنه كان في ذلك الزمان يؤثر السفر على الإقامة،

فربما يسير إلى لكهنؤ وكانبور وبنارس وقنوج وغيرها من البلاد، وربما يشتغل بتصحيح المصاحف

في دور الطباعة، ويشتغل بتدريس الحديث الشريف.

ثم لما كبر سنه ترك السفر واعتزل بمراد آباد، فتهافت عليه الناس تهافت الظمآن على الماء،

وتواترت عليه التحف والهدايا، وخضع له الوجهاء وسراة الناس، يأتون إليه من كل فج عميق

ومرمى سحيق، حتى صار علماً مفرداً في الديار الهندية، ورزق من حسن القبول ما لم يرزق أحد

من المشايخ في عصره.

وكان أكبر من رأيت وأعلمهم بهدى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ودله وسمته، لا يتجاوز عنه في

أمر من الأمور مع العفاف والقناعة، والاستغناء والسخاوة، والكرم والزهد، لا يدخر مالاً، ولا يخاف

عوزاً، تحصل له الألوف من النقود فيفرقها على الناس في ذلك اليوم، حتى كان لا يبيت ليلة وفي

بيته درهم أو دينار، وكان لا يحسن الملبس والمأكل، ولا يلبس لبس المتفقهة من العمامة والطيلسان

فضلاً عن تكبير العمامة وتطويل الأكمام، ولا يهاب أحداً في قول الحق وكلمة الصدق ولو كان جباراً

عنيداً، قد انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والزهد والورع، والشجاعة والكرم، والجلالة والمهابة،

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع حسن القصد والإخلاص والابتهال إلى الله تعالى، ودوام

المراقبة له والدعاء إليه، وحسن الأخلاق ونفع الخلق والإحسان إليهم، فإن حلفت بين الركن والمقام

أني ما رأيت في العالم أكرم منه ولا أفرغ منه عن الدينار والدرهم ولا أطوع منه للكتاب والسنة ما

حنثت، وإني ما رأيت أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ منه.

وكان ربع القامة نقي اللون، عظيم الهامة مرسل اللحية قصيرها، يصلي بالناس في المسجد، ويسكن

في حجرة بفنائه ويسعى مع أصحابه في مصالحهم، وملبوسه كأحاد الناس، يدرس القرآن الحكيم

والحديث الشريف قبل الظهيرة، وبعد الظهر وبعد العصر في أغلب الأوقات، سمعت منه المسلسل

بالأولية والمسلسل بالمحبة وشطراً من صحيح البخاري، كان يقرأ رضي الله عنه ويتكلم في أثناء

القراءة على الأحاديث.

وأما كشوفه وكراماته فلا تسئل عن ذلك! فإنها بلغت حد التواتر، وإني ما وجدت في الأولياء

السالفين من يكون مثله غير الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه.

توفي لثمان بقين من ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف بمراد آباد فدفن بمقبرة مراد

خان، وقد صنف في أخباره وأقواله الشيخ محمد علي المونكيري ارشاد رحماني والسيد تجمل حسين

البهاري فضل رحماني وكمالات رحماني والمولوي عبد الغفار الآسيوني هديه عشاق رحماني.

مولانا فضل الله اللكهنوي

الشيخ الفاضل فضل الله بن المفتي نعمة الله الأنصاري اللكهنوي، كان من ذرية الشيخ الشهيد قطب

الدين محمد السهالوي، ولد ونشأ بلكهنؤ في ظل والده وأخذ عنه وكان والده يجتهد كل الاجتهاد في

تدريسه، ويقرر المسألة ويبالغ فيها حتى يحفظ كلها، ولما برز في الفنون الحكمية ولي التدريس في

المدرسة الكلية كيننك كالج بلكهنؤ، فدرس وأفاد بها مدة عمره.

وكان رجلاً غراً كريماً، مسرفاً مقيداً برسوم المشايخ، يخالط الأمراء ويخضع للفقهاء والمتصوفة،

ويجنح للقبور، وكان قليل الخبرة بالعلوم الشرعية، ملازماً لتدريس المنطق والحكمة لا سيما الزواهد

الثلاثة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015