ومقرواته كما أجازه الشيخ سخاوت علي العمري الجونبوري والشيخ يعقوب بن محمد
أفضل الدهلوي سبط الشيخ عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي والسيد محمد بن أعلى شاه النصير
آبادي ومشايخه الآخرون، ثم سافر للاسترزاق إلى أوديبور وحيدر آباد وبهوبال وطوك وغيرها،
وأقام بحيدر آباد ثمان سنين، وكذلك في بهوبال، ثم اعتزل في بلدته في آخر عمره.
وكان محمود السيرة والسريرة، متعففاً قانعاً باليسير، طارحاً للتكلف، متجمعاً عن الناس، مشتغلاً
بخاصة نفسه، صابراً على نوائب الزمن وحوادث الدهر مع كثرة ما يطرقه من ذلك، محافظاً على
أمور دينية، متواضعاً على الطاعة، غير متصنع في كلامه ولا في ملبسه، لا يبالي بأي ثوب برز
للناس ولا بأي هيئة لقيهم، وكان سليم الصدر، لا يعتريه غل ولا حقد، ولا سخط ولا حسد، ولا يذكر
أحداً بسود كائناً من كان، محسناً إلى أهله، قائماً بما يحتاجون إليه متعباً نفسه في ذلك، ولقد كان
تغشاه الله برحمته ورضوانه فكان من عجائب الزمن، ومن عرفه حق المعرفة تيقن أنه من أولياء الله
سبحانه، ولقد بلغ بي إلى حد من البر والشفقة والإعانة على طلب العلم والقيام بما احتاج إليه بحيث
لم يكن لي شغل بغير الطلب فجزاه الله خيراً وكافاه بالحسنى.
وكان زاهداً في الدنيا راغباً إلى الآخرة، ليس له نهمة في جمع ولا كسب، بل غاية مقصوده منها ما
يقوم بكفاية من يعوله، ولم يزل مستمراً على حاله الجميل، معرضاً عن القال والقيل، ماشياً على
أهدى سبيل، حتى توفاه الله سبحانه، ولم يباشر شيئاً مما يتعلق بالدنيا قبيل موته نحو خمس سنين،
بل تجرد للاشتغال بالطاعة، والمواظبة على الجمع والجماعة، وتلاوة القرآن، ومطالعة الكتب،
والتصنيف والتدريس.
وترك ولدين، أكبرهما عبد الحي وهو جامع هذا الكتاب، ومحمد صابر، وهما من بطنين مختلفين،
أما هذا العبد فإنه ولد لثمان عشرة خلون من رمضان سنة ست وثمانين ومائتين وألف من بطن
عزيز النساء بنت السيد العلامة سراج الدين الحسيني الواسطي، وأما محمد صابر فإنه ولد من بطن
حكيمة بنت السيد عبد القادر بن عبد الباقي بن محمد جامع بن محمد واضح الحسني البريلوي، ومات
في صغره سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف ببلدة لكهنؤ، وقد أجاز لي والدي رحمه الله تعالى بجميع
مقرواته ومسموعاته ومروياته كما أجازه جده السيد محمد ظاهر وعمه السيد خواجه أحمد المذكوران،
ووهب لي جميع كتبه.
وأما مصنفاته فهي كثيرة ممتعة، أحسنها مهر جهانتاب بالفارسي في ثلاثة مجلدات كبار، كتاب
عجيب، لا يكاد يوجد مثله في كثرة الفوائد وهو كموسوعة علمية، ودائرة معارف في العلوم والفنون
والتراجم والسير المجلد الأول منها مرتب على ثلاثة دفاتر الدفتر الأول في مسائل العلوم والفنون
المتعارفة وغير المتعارفة، كما فعل السيوطي في النقاية وشرحها، والدفتر الثاني في سير الأنبياء
وأئمة أهل البيت، والصحابة التابعين، والمحدثين والعلماء والحكماء، وشيوخ الطريقة، والدفتر الثالث
في تراجم شعراء العربية والفارسية، والأردية والهندية، وقد تم المجلد الأول في ألف وثلاثمائة
صفحة بالقطع الكبير، أما المجلد الثاني فقد أراد المؤلف أن يذكر فيه جغرافية العالم وتاريخه، وقد
انتهى من جزء كبير من جغرافية قارة آسيا، ولما وصل إلى نصف الكتاب شعر بأن اللغة الفارسية
قد أشرفت على الزوال والانقراض في الهند، فجمدت قريحته، وانصرف عن الكتابة فترة من
الزمان، ثم استأنف التأليف في أردو، ولكن الأجل لم يمهله ولبى داعي الحق.
وله من المؤلفات سيرة السادات وهو كتاب كامل شامل في سرد أنساب السادة والأشراف، ولا سيما
أنساب السادة الحسنية القطبية، وله السيرة العلمية في سيرة شيخ المشايخ السيد علم الله الحسني، كلها
بالفارسية، ومنها سبيل النجاة في الأدعية والأذكار، ومجربات خيالي ومنها مسدس خيالي في جواب
مسدس حالي ونثر خيالي في الإنشاء الفارسي، ومنجيات خيالي وله ديوان شعر كبير في الفارسية
والأردية يحتوي على آلاف من الأبيات، ومنظومات ومزدوجات كثيرة.
مات لعشر خلون من رمضان سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن في مقبرة آبائه في الجهة
الشمالية الغربية من المسجد في زاوية جده الشيخ