وكانت له اليد الطولى في النحو واللغة، وخبرة تامة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، وبفنون
الحديث، وبالعالي والنازل والصحيح والسقيم مع حفظه لمتون الدين، انفرد به في تلامذة السيد نذير
حسين المذكور، فلم يبلغ أحد رتبته في كثرة الدرس والإفادة ولم يقاربه، قال الشيخ شمس الحق
الديانوي: لا أعلم أحداً في تلامذة السيد نذير حسين المحدث أكثر تلامذة منه، قد ملأ بنجاب بتلامذته،
كأنه هو حافظ الصحاح في هذا العصر، وقد أناط السيد نذير حسين عمامته على رأسه سنة عشرين
وثلاثمائة وألف، واستخلفه في بنجاب، انتهى.
إني رأيته في بلدة أمرتسر وتمتعت بصحبته، مات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف.
مولانا عبد المنعم الجانكامي
الشيخ الفاضل عبد المنعم الحنفي الجانكامي أحد العلماء المبرزين في الفنون الأدبية، قرأ العلم على
أساتذة المدرسة العالية بكلكته، وولي التدريس في مدرسة ذهاكه، ثم جانكام، ثم جعل ناظور المدرسة
المحسنية بذهاكه.
وكان فاضلاً كبيراً، بارعاً في النحو واللغة، والمعاني والبيان، والعروض والشعر، له تصويب البيان
في شرح الديوان، وهو شرح ديوان المتنبي، وله ديوان الشعر العربي وبعض رسائل في الأخلاق
بالفارسية.
فمن شعره قوله من قصيدة يمدح بها عبيد الله:
جرى دمعي المهراق شجواً بمنزل رأينا به داراً ترأت كعوكل
وروضا بهوج الريح صارت غصونه أيادي ندب فوق رأس لعيطل
ذكرت بها سلمى أؤمل وصلها وكيف الرجا يا قلب لي في عقنقل
فقلت لعيني سامحيني بعبرة فلبت فجاءتني بدمع مسلسل
رأينا بها عيناً تولت فلم تعد كدابك مذ هاجرتني لم تحول
فهل بعد صد زورة منك خفية تداوي بها قلب الكئيب المذلل
أعيني بسجع يا حمامة ضارعاً معنى وقد أعياه نوح التعزل
تراكمت الأحزان والقلب واحد تزاحمت الأثقال في كور محمل
وما عيش من قد بات يبكي تقطعاً بناب جديد انشبت أم رنقل
وكيف التلذاذ الراح ممن تصادمت عليه مراز لم يطق صدر أعبل
صعود العلى همي وما كنت خائباً تنفس صعدائي ترى غير أسفل
تقلبني الأيام تقليب قلب تحولني الأحوال تحويل حول
أيا دهر هل منك لطف تداركا لبلبال بال المستهام المقتل
فاما تدارك أو أشد مراجعاً زمامي إلى باب النبيل المبجل
وقوله من قصيدة يمدح بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إليك رسول الله أهدي ثنائيا وأبغي به قرباً وإن كنت نائيا
أقرب نفسي من جنابك سيدي عسى أن أرى روحاً على البعد دانيا
عسى تكشف البلوى وكم بك فرجت غوائل إذ نوديت أدرك غياثيا
أؤمل منك العطف عطف عواطف وإن كنت عما يجلب العطف قاصيا
فإنك شمس يستضاء بنورها وما كل شيء يقبس الضوء صافيا
أتيتك أرجو من نوالك رشحة وما خاب مستسق أتى البحر صاديا
ومن قصيدة أخرى