مائة وألف، وأذعن له بالثقة والاعتماد والتفويض والانقياد، ونال عند شيخه الزلفي في أقل مدة،

فأجازه واستخلفه لعشر خلون من شوال سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف.

واستقدمه النواب حميد الله خان والي بهوبال ليتولى رئاسة القضاء في الإمارة ورئاسة الجامعة

الأحمدية، والإشراف على التعليم الديني والأمور الدينية في بهوبال فأجابه إلى ذلك لميله إلى

الإعتزال عن دار المصنفين لمدة، وقصد بهوبال في رجب سنة خمس وستين وثلاثمائة وألف، وأقام

فيها ثلاث سنوات، واشتغل بالدرس والإفادة ونصح المسلمين، وحج سنة ثمان وستين وثلاثمائة وألف

الحجة الأخيرة، وألغيت إمارة بهوبال، وضمت إلى الحكومة الهندية، واضطربت الأحوال، فاستقال

من وظيفته في المحرم سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف، وكان بعض أركان حكومة باكستان وقادتها

الذين يعرفون منزلته العلمية وتبصره في العلوم الدينية يدعونه إلى باكستان ليشارك في وضع

الدستور الاسلامي للحكومة الوليدة، وقد أجابهم إلى ذلك في شعبان سنة تسع وستين وثلاثمائة وألف،

وقرر الإقامة في باكستان واختير رئيساً للجنة التعليمات الاسلامية، إلا أن هذه اللجنة لم تستطع أن

تكمل مهمتها، وحلت بعد مدة قصيرة، ولم يجد السيد ما كان يؤمله من التشجيع والتقدير في مقاصده

الدينية والعلمية، وتعرض لحسد بعض العلماء واستهانة ولاة الأمر بقيمته ومكانته، وعاش بقية عمره

في عفاف وقناعة، وعزة نفس واشتغال بخاصة النفس، والمطالعة والبحوث العلمية، واختاره مجمع

فؤاد الأول في مصر عضواً مراسلاً في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف، ورأس بعض الحفلات

العلمية الكبيرة، وكتب بحوثاً علمية، وأشار على ولاة الأمر وعلماء البلاد بما يرى فيه الخير والسداد

لسلامة البلاد ومستقبلها، وبقي مشغولاً بالذكر والعبادة والتربية والإفادة إلى أن وافاه الأجل غرة ربيع

الآخر سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف، وحضر جنازته كبار العلماء وأعيان البلاد وسفراء

الحكومات الإسلامية والعربية، ودفن بجوار الشيخ شبير أحمد العثماني.

كان السيد سليمان الندوي ربع القامة، مائلاً إلى القصر، له وجه مشرق، تلوح عليه أمارات الهدوء

والسكينة، ويعلوه الوقار والرزانة، له لحية كثة مستديرة، وجبين واسع زاهر، ممتلىء الوجنتين،

واسع العينين تشفان عن ذكاء وحياء، أزج الحاجبين، رقيق الشفتين، نقي اللون بين سمرة وبياض،

نظيف الملابس دائماً، لا يراه لناس قط في وسخ وتبذل، ملتزماً للعمامة في الأسفار والمجامع، مقلاً

من الكلام، كثير الصمت، دائم الفكرة، امتزج العلم بلحمه ودمه، فلا يعني إلا به، ولا يتحدث إلا عنه،

مديم الاشتغال بالمطالعة والبحث، دائم المذاكرة للعلماء في العلم والدين، سلس القريحة، سائل القلم في

التأليف والتصنيف، ليست الخطابة في المجامع العامة والخوض في السياسة من طبعه وذوقه، فلا

يتقدم إلى ذلك إلا متكلفاً أو مضطراً، راسخاً في العلوم العربية وآدابها، عالي الكعب، دقيق النظر في

علوم القرآن وعلم التوحيد والكلام، واسع الاطلاع، غزير المادة في التاريخ، وعلم الاجتماع والمدنية،

منشئاً صاحب أسلوب أدبي في اللغة الأردية، كاتباً مترسلاً في اللغة العربية، شاعراً مقلاً في اللغتين

مع إحسان وإجادة، حليماً صابراً يقهر النفس، ويتسامح مع الأعداء والمعارضين، ضعيف المقاومة

في شؤونه الشخصية، يتحمل ما يرهقه ويشق عليه.

كان من كبار المؤلفين في هذا العصر، ومن المكثرين من الكتابة والتأليف مع سعة علم ودقة بحث

وتنوع مقاصد، له تكملة سيرة النبي لأستاذه في خمسة مجلدات كبار، تعتبر دائرة المعارف في السيرة

النبوية والعقيدة الإسلامية، وخطبات مدراس من خير ما كتب في السيرة النبوية، ونقل إلى الإنكليزية

والعربية، وأرض القرآن في مجلدين في جغرافية القرآن، وسيرة عائشة وسيرة مالك وخيام ونقوش

سليماني في البحوث اللغوية والأدبية، وحياة شبلي في سيرة أستاذه، وعرب وهند كي تعلقات

الصلات بين العرب والهند وعربون كي جهاز راني الملاحة عند العرب وله غير ذلك من البحوث

العلمية والمقالات الكثيرة التي تحويها مجلدات المعارف الكثيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015