أكثرها على الشيخ عبد الغني، وبعضها على صنوه الكبير أحمد سعيد بن أبي
سعيد العمري الدهلوي، حتى برع وفاق أقرانه في المعقول والمنقول، ورجع إلى كنكوه، وتزوج
بخديجة بنت خاله محمد تقي، ثم حفظ القرآن في سنة واحدة، ثم أخذ الطريقة عن الشيخ الأجل إمداد
الله بن محمد أمين العمري التهانوي ولازمه مدة، ثم تصدر للتدريس بكنكوه، واتهموه بالثورة
والخروج على الحكومة الإنكليزية سنة ست وسبعين ومائتين وألف، فأخذوه ثم حبسوه في السجن
ستة أشهر ببلدة نظفر نكر، ولما ظهرت براءته أطلقوه في الأسر، فاشتغل بالدرس والإفادة زماناً
يسيراً، ثم سافر إلى الحجاز بنفقة رجل من أهل رامبور سنة ثمانين ومائتين وألف، وكان شيخه إمداد
الله المذكور خرج من الهند قبل ذلك نحو سنة ست وسبعين فلقيه بمكة وحج حجة الإسلام، ثم سافر
إلى المدينة المنورة فزار ولقي شيخه عبد الغني، ثم رجع إلى الهند واشتغل بالدرس والإفادة زماناً،
وسافر إلى الحجاز مرة ثانية سنة أربع وتسعين في جماعة صالحة، منهم الشيخ محمد قاسم والشيخ
محمد مظهر والشيخ يعقوب والشيخ رفيع الدين، والشيخ محمود حسن الديوبندي، ومولانا أحمد حسن
الكانبوري وجمع آخرون، فحج عن أحد أبويه، ورحل إلى المدينة المنورة وأقام بها عشرين يوماً،
ولقي شيخه عبد الغني، ثم رجع إلى مكة وأقام بها شهراً كاملاً، واستفاض من شيخه إمداد الله، ثم
رجع إلى الهند ودرس وأفاد مدة بكنكوه، ثم سافر إلى الحجاز سنة تسع وتسعين فحج عن أحد أبويه،
وسار إلى مدينة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لقي شيوخه وعاد إلى الهند، ولازم بيته فلم يخرج منه
إلا مرة أو مرتين إلى ديوبند للنظر في شؤون المدرسة العربية بها.
وكان قبل سفر الحجاز في المرة الثالثة يقرىء في علوم عديدة من الفقه والأصول والكلام والحديث
والتفسير، وبعد العود من الحجاز في المرة الآخرة أفرغ أوقاته لدرس الصحاح الستة، والتزم أن
يدرسها في سنة واحدة، وكان يقرىء جامع الترمذي أولاً، ويبذل جهده فيه في تحقيق المتن والاسناد،
ودفع التعارض وترجيح أحد الجانبين، وتشييد المذاهب الحنفي، ثم يقرىء الكتب الأخرى سنن أبي
داود فصحيحي البخاري ومسلم فالنسائي وفابن ماجة سردا مع بحث قليل فيما يتعلق بالكتاب ولم تكن
له كثرة اشتغال بالتأليف.
وكانت أوقاته موزعة مضبوطة يحافظ عليها صيفاً وشتاء، فإذا صلى الفجر اشتغل بالذكر والفكر في
الخلوة حتى يتعالى النهار، ثم يتطوع ويقبل على الطلبة، وهم كبار العلماء والمحصلين، يدرسهم في
الفقه والحديث والتفسير، واقتصر في آخر عمره على تدريس الصحاح الستة، فلما كف بصره ترك
التدريس وتوسع في الإرشاد والتحقيق، وبعد أن ينتهي من التدريس، يشتغل بكتابة الرسائل والردود،
يجيب المستفتين، ولما عجز عن الكتابة لنزول الماء في عينيه وكل كتابة الرسائل وتحرير الفتاوي
إلى تلميذه النجيب الشيخ محمد يحيى بن إسماعيل الكاندهلوي، وكان يحرص على أن ينتهي من
كتابة الرسائل والفتاوي في يومها، فإذا انتهى من الكتابة تغدى وانصرف يقيل ويستريح، فإذا صلى
الظهر اشتغل بتلاوة القرآن من المصحف، وبعد ما كف بصره كان يتلو حفظاً، ثم اشتغل بالدروس
إلى العصر، وكان يجلس للعامة بين العصر والمغرب، فإذا صلى المغرب قام يتطوع، ثم ينصرف
إلى البيت ويكون مع عياله ويتعشى، فإذا صلى العشاء - وكان يؤخره غالباً - انصرف إلى فراشه
ينام ويستريح، وكان هذا دأبه على مر الأيام.
وكان آية باهرة ونعمة ظاهرة في التقوى، واتباع السنة النبوية والعمل بالعزيمة والاستقامة على
الشريعة، ورفض البدع ومحدثات الأمور ومحاربتها بكل طريق، والحرص على نشر السنة وإعلاء
شعائر الإسلام، والصدع بالحق وبيان الحكم الشرعي، ثم لا يبالي بما يتقاول فيه الناس، لا يقبل
تحريفاً، ولا يتحمل منكراً، ولا يعرف المحاباة والمداهنة في الدين، مع ما طبعه الله عليه من
التواضع والرفق واللين، دائراً مع الحق حيث ما دار يرجع عن قوله إذا تبين له الصواب، انتهت
إليه الإمامة في العلم والعمل ورئاسة تربية المريدين، وتزكية النفوس، والدعاء إلى الله وإحياء السنة
وإماتة البدع.
وقد رزقه الله من التلاميذ والخلفاء ما يندر وجود