عظيماً، وانتفع به انتفاعاً
كبيراً، حتى أصبح من أخص أصحابه، وأكبر خلفائه، ومن كبار الحاملين لعلومه وبركاته والناشرين
لطريقته ودعوته.
وكان قد درس الحديث دراسة إتقان وتدبر، وحصلت له الإجازة عن كبار المشايخ والمسندين كالشيخ
محمد مظهر النانوتوي والشيخ عبد القيوم البرهانوي، والشيخ أحمد دحلان مفتي الشافعية، والشيخ
عبد الغني بن أبي سعيد المجددي المهاجر، والسيد أحمد البرزنجي، وعني بالحديث عناية عظيمة
تدريساً وتأليفاً، ومطالعة وتحقيقاً، وكان من أعظم أمانيه أن يشرح سنن أبي داود، فبدأ في تأليفه سنة
خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف، يساعده في ذلك تلميذه البار الشيخ محمد زكريا بن يحيى الكاندهلوي،
وانصرف إلى ذلك بكل همته وقواه، وعكف على جمع المواد وتهذيبها وإملائها، لا لذة له، ولا هم في
غيره، وأكب على ذلك إلى أن سافر إلى الحجاز السفر الأخير في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة
وألف، ودخل المدينة في منتصف المحرم سنة خمس وأربعين، وانقطع إلى تكميل الكتاب حتى انتهى
منه في شعبان سنة خمس وأربعين، وتم الكتاب في خمسة مجلدات كبار، وقد صب فيه الشيخ مهجة
نفسه، وعصارة علمه، وحصيلة دراسته، وقد أجهد قواه، وأرهق نفسه في المطالعة والتأليف، والعبادة
والتلاوة، والمجاهدة والمراقبة، حتى اعتراه الضعف المضني، وقل غذاؤه، وغلب عليه الانقطاع،
وحبب إليه الخلاء، والشوق إلى اللقاء، يصرف أكثر أوقاته في تلاوة القرآن، ويحضر الصلوات في
المسجد الشريف، بشق النفس، وقد ودع تلاميذه، وخاصة أصحابه للهند، وبقي في جوار النبي صلى
الله عليه وآله وسلم نزيل المدينة وحلس الدار، مشغول الجسم بالعبادة والذكر مربوط القلب بالله
ورسوله، منقطعاً عما سواه حتى أجاب داعي الله في المدينة المنورة.
كان الشيخ خليل أحمد له الملكة القوية، والمشاركة الجيدة في الفقه والحديث، واليد الطولى في الجدل
والخلاف، والرسوخ التام في علوم الدين، والمعرفة واليقين، وكانت له قدم راسخة، وباع طويل في
إرشاد الطالبين، والدلالة على معالم الرشد ومنازل السلوك، والتبصر في غوامض الطريق وغوائل
النفوس، صاحب نسبة قوية، وإفاضات قدسية، وجذبة إلهية، نفع الله به خلقاً كثيراً، وخرج على يده
جمعاً من العلماء والمشايخ، ونبغت بتربيته جماعة من أهل التربية والإرشاد، وأجرى على يدهم
الخير الكثير في الهند وغيرها في نشر العلوم الدينية، وتصحيح العقائد وتربية النفوس، والدعوة
والإصلاح، من أجلهم المصلح الكبير الشيخ محمد إلياس بن إسماعيل الكاندهلوي الدهلوي صاحب
الدعوة المشهورة المنتشرة في العالم، والمحدث الجليل الشيخ محمد زكريا ابن يحيى الكاندهلوي
السهارنفوري صاحب أوجز المسالك ولامع الدراري والمؤلفات المقبولة الكثيرة، والشيخ عاشق إلهي
الميرتهلي وغيرهم.
كان جميلاً وسيماً، مربوع القامة مائلاً إلى الطول، أبيض اللون، يغلب في الحمرة، نحيف الجسم
ناعم البشرة، أزهر الجبين دائم البشر، خفيف شعر العارضين، يحب النظافة والأناقة، جميل الملبس
نظيف الأثواب في غير تكلف أو إسراف، وكان رقيق الشعر ذكي الحس، صادعاً بالحق صريحاً في
الكلام في غير جفاء، شديد الاتباع للسنة، نفوراً عن البدعة، كثير الإكرام للضيوف، عظيم الرفق
بأصحابه، يحب الترتيب والنظام في كل شيء والمواظبة على الأوقات، مشتغلاً بخاصة نفسه وبما
ينفع في الدين متنحياً عن السياسة مع الاهتمام بأمور المسلمين، والحمية والغيرة في الدين، حج سبع
مرات، آخرها في شوال سنة أربع وأربعين من الهجرة.
له من المصنفات: المهند على المفند، وإتمام النعم على تبويب الحكم ومطرقة الكرامة على مرآة
الإمامة، وهدايات الرشيد إلى إفحام العنيد، كلاهما في الرد على الشيعة الإمامية، وبذل المجهود في
شرح سنن أبي داود.
كانت وفاته بعد العصر من يوم الأربعاء في السادس عشر من ربيع الآخر سنة ست وأربعين
وثلاثمائة وألف في المدينة المنورة، وشيعت جنازته في جمع عظيم، ورؤيت له رؤى صالحة، ودفن
في البقيع لدى مدفن أهل البيت.