انتهز إبن الإنكشاري الفرصة فاستأثر بالبلد وخرج عن طاعة الأخوين ونهب أموال الخلق، وتحكّم بظلمه وشؤمه فلا خاف من الله ورسوله ولا من سلطان يزجره، فمن أقبح صنائعه أن أنشأ له مركبا وجعل له (?) مقاذيف، وجمع جماعة من شبان البلد وشجعانهم، ومن عرف فيه أهلية أدخله طوعا أو كرها، وصار يقطع طريق البحر على المسافرين من النّصارى والمسلمين، فينهب الأموال ويقتل النّفوس إن نازعوه، وإذا (?) انتصف النّهار يركب بجمعه ويقصد جربة بحيث يكون موافاتها ليلا، فينزل على النّاس في منازلهم في زي النصارى فيأخذ أموالهم، ومن تكلّم منهم قتلوه، ويسافر ليلا فيصبح داخلا للبلد، فيظنّ أهل جربة أنّهم أخذتهم النّصارى ليلا وهربوا، وكذا يفعل بكل بلد قدر عليه، ويظهر لأهل صفاقس أنّه يحرس البلد ويحميهم من عدوّهم، وكلّ من أذنب ذنبا وهو أهل للسّفر معه لا يخلّصه إلاّ الدّخول معه وإلاّ عذّبه عذاب الهدهد، وخندق على البلد الخنادق، وسكن بالقصبة وطغى وبغى وحسب أنّ الشّر يدوم له.
فلمّا استقلّ محمّد باي - رحمه الله تعالى - بالأمر بعد وفاة عمّه وأخيه وموت إبن شكر / أرسل لصفاقس من قتل هذا الخبيث الفاجر، وطهّر الله الأرض من شؤمه وبغيه، وتفصيل ذلك يطول ولا فائدة فيه.
قال الشّيخ أبو الحسن - رحمه الله -: ولمّا وقع ما وقع من الأشقياء غلقت باب زاويتي وصرت أنتحب ليلا ونهارا، قال بعض تلاميذه: ولمّا صدر منهم ما صدر في الزّاوية غلق الشّيخ باب الزّاوية ولا بقي أحد يدخلها لا لقراءة ولا لزيارة ولا لصلاة ولا لغيرها، وفقدنا درسه (?) واشتقنا فيه نظرة، وتكدّر علينا زماننا وهاج شوقنا إليه بسببهم، وربّما عرضت له حاجة فيخبرنا بها بكتابة ورقة (?) يرسلها لنا اهـ.
وفي هذه الأزمان منذ تولي سيدي حسين - رحمه الله وعترته - طهّر الله البلاد والعباد من أهل البغي والفساد، وتوالت الولاة من الحضرة داخلين تحت الأمر والنّهي أدام الله هذه النّعمة على عباده ولا أراهم ما يسوءهم بفضله وكرمه.