وكان - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - ذا همّة عالية وشهامة وبطش، فأطاعته العصاة من ساعته وانقادت له العباد، فاطمأنّت البلاد، ومحا (?) آثار الفساد وكأنّ الأرض لم تقم بها فتنة، ولا وقع بها حروب، لطفا من الله بعباده.
ثمّ جاءت التّشاريف العثمانية والخلع الخاقانية لثاني النجلين صاحب السّياسة الملوكية والرياسة السّلطانية سيدي علي باشا - رحمه الله تعالى - فلبس خلعة الباشوية، فتمّت نعمة الله عليهما، واتّفقت كلمتهما، وسلّمهما من داء الخلاف والشّقاق لما جبلهما الله عليه من المحبّة والإتّفاق، فانتظمت، الأحوال واتّسقت، وأمنت البلاد وسكنت، وانقطعت نار الفتنة وخمدت.
ولمّا تمّت نعمة الله عليهما بالملك شرعا في تجديد سور القيروان وتحصينها إذ هي إحدى حصون الإسلام بل أعظم مدينة بإفريقية، بل هي أمّ قراها فهي أحقّ بحفظها وصيانتها - أبقاها الله دار عزّ للإسلام، / وحفظها من طوارق اللّيالي والأيّام.
ولمّا كانت سنة إثنتين وسبعين ومائة وألف حضرت منيّة (?) سيدي محمّد باي - رحمه الله تعالى - على فراشه فسار لرحمة الله الواسعة ودفن بتربة أبيه - رحمهم الله تعالى -.
فبايع النّاس بعده بيعة عامة لأخيه سيدي علي باشا - رحمه الله تعالى -. فصار باشا بايا، ففرح النّاس به لما يعلمون من رفقه وحلمه ورقّة قلبه على رعيّته وكرمه، فاستقرّت البلاد على أمنها، ولم يقع في الأرض ما يوجب اضطرابها.
ثمّ لم تمض أشهر قلائل إلاّ وقد طلعت خيول إسماعيل (?) باي، إبن يونس باي إبن الباشا - رحمة الله على جميعهم - وكان لما وقع على جده الباشا ما وقع استبدل ثياب السّلطنة بثياب عامّة النّاس وغير زيّه، وسار حتّى انتهى إلى طرابلس، فنزل على علي باشا (?) صاحب طرابلس، فأكرم نزله ورتّب له ما يحتاجه بموجب ما تقتضيه حقوق