حفيرا عميق الماء بينهما حتى أحاط الماء من جميع الجهات، وعند مجتمع البحر والبحيرة البرج، وتدخل سفنهم على هذا الحصن الأعظم، فترسي عند بابه، وعمق الخليج ستّون ذراعا، وقعره متّصل بالبحر، وخارج الحصن دور يسكنها المنافقون، وقدرها أزيد من مائتي دار والخندق والبحر محيط بالجميع، ونقبوا تحت الأرض نقبا طويلا يتّصل إلى البرج الخارج عن الحصن، وبين الحصن والدّور سور يمنع من يريدهم بسوء وعرض سور الحصن يسير عليه سبعة من الخيل من غير مضايقة ولا مزاحمة، وهو ذو وجهين خارج وداخل بحجارة ضخمة اقتطعوها / من الحنايا التي مرّ وصفها، وما بين وجهي السّور حشو الجير افراغا مع دقيق الحصباء كي يعسر نقبه، ولا تعمل فيه الآلات من البونبات والألغام والمدافع، وجعلوا كنيستهم وسطه ودواميس المياه المحكمة بأتقن الصّنع، وأقاموا في بنائه ثلاثا وأربعين سنة لم يخل يوم فيها من التّحصين، وأما البستيون فكان خارج باب البحر قرب كنيسة النّصارى، وكان أشد ضررا على أهل تونس من غيره لأنهم أرادوا أن يبنوا فيه حصارا ومدينة وقد ابتدؤوها، وفصّلوا (?) شوارعها وأسواقها، وكادت أن تسكن لولا لطف الله ومعالجة العساكر العثمانية، والذي تمّ لهم منه قلعة واحدة، فكانت الحرب عليها لما دخلت العساكر العثمانية كما يأتي إن شاء الله تعالى.

ولما اشتدت أذيّة الكفّار للمسلمين وعجزوا عن مدافعتهم جعل الأمير أحمد حيلة فأظهر سفرا لافريقية (?) على جاري عادته وصحب في محلّته ألف فارس، وأردف كل فارس رجلا وسار إلى أن بلغ ماطرا، ورجع منعطفا وقصد الغزو إلى أهل حلق الوادي، ولكن خاف من جواسيس المنافقين من الأعراب الذين تزندقوا، فأخفى أمره ورجع على ناحية المعلّقة، وكمن هنالك وأرسل طائفة يسيرة من الخيل نحو الحصار، فتبعهم النّصارى ففر المسلمون أمامهم راجعين لتونس، فلما تباعدوا عن الحصار خرج الكمين لنحو / الحصار، فهرب من كان باقيا فيه من النّصارى، ودخلوا الحصار، وذهلوا من شدّة الفزع عن غلق الباب، ووصل المسلمون إلى الباب، فلم يقدروا على الدّخول لظنهم أن النّصارى أبقوه مفتوحا مكيدة، فرجع المسلمون فالتقوا بالنّصارى الذين كانوا تابعين للفارّين لتونس، فاقتتل الفريقان، فوقعت هناك مقتلة عظيمة بين الفريقين، وأكثر ما لاقى المسلمون من الأذى إنما كان من الزّنادقة المرتدّين من الأعراب، ثم إن الأمير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015