دمشق بكرة الأربعاء سادس عشر شوال، وفيها أولاده: الملك الأفضل، والملك الظاهر، والملك الظافر مظفر الدّين الخضر المعروف بالمشمر، سمي بذلك لأن السلطان لمّا قسّم البلاد بين أولاده الكبار دون المشمر، قال: أنا مشمر، فغلب الاسم عليه، وبها أيضا غيره من أولاده الصّغار. وكان يحب البلد ويؤثره بالاقامة فيه على سائر البلاد، وجلس للناس بكرة يوم الخميس السابع والعشرين من شوال، وحضروا عنده وبلوا شوقهم [منه]، وقصده عامّة النّاس وخاصّتهم، فنشر عليهم جناح العدل والفضل، وكشف سحاب الجور والظلم.
ولمّا أصلح الملك العادل أحوال الكرك سار قاصدا (إلى البلاد الفراتية) (?) - لأن السّلطان أعطاه إياها، كما أعطى أولاده الكبار البلاد المتقدمة، وأعطاه / أيضا البلاد الساحلية - (?) فوصل إلى دمشق يوم الأربعاء سابع عشر ذي القعدة (?) وخرج السّلطان إلى لقائه، ثم أقام معه أياما يتصيدان مع أولاده، فحصلت له راحة ممّا كان فيه من ملازمة التّعب والسهر.
فلمّا كانت ليلة السبت ابتدأه مرض حمى صفراوية، فلمّا كان اليوم العاشر من مرضه يئس الأطبّاء منه فتوفي بعد صلاة الصّبح يوم الأربعاء السابع والعشرين من [صفر] سنة تسع وثمانين وخمسمائة (?) ولم يخلّف في خزائنه الا سبعة وأربعين درهما ناصرية وجرما (?) واحدا ذهبا صوريا، ولم يخلف على ملكه دارا ولا غقارا، ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة الا الثناء الجميل، ودفن بدمشق في قبّة شمالي جامع دمشق، وكان - رحمه الله تعالى - من محاسن الدّنيا وأصاب المسلمين من موته كآبة وحزن لم يصب المسلمين مثلهما منذ فقد الخلفاء الراشدون - رضي الله تعالى عنهم وعنه - ورثاه الشعراء بمراثي كثيرة يطول تتبعها» (?).