منهم في رجب من هذه السنة، ولمّا علم الافرنج ذلك خافوا على بلادهم فانصرفوا، وسبب انفصال أسد الدّين ضعف عسكره لتعصّب الافرنج والمصريين، فعاين شدائد وأهوالا لكن ما انفصل حتى صالح الافرنج على أن ينفصلوا كلّهم عن مصر، فعاد إلى الشّام في بقية السنة، وقد انضاف إلى قوة الطمع في الديار المصرية شدّة الخوف عليها من الافرنج لعلمه بأنهم قد كشفوها كشفا وعرفوها كما عرفها هو، فأقام بالشّام على مضض وقلبه قلق، والقضاء يسوقه إلى شيء قدّر لغيره، وهو لا يشعر بذلك، وكان عوده في ذي القعدة من هذه السنة إلى الشّام، وقيل في ثامن عشر (?) شوال.

ثم إن الإفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم (?) وخرجوا يريدون الدّيار المصرية ناكثين جميع ما استقرّ مع المصريين وأسد الدّين طمعا في البلاد، فلمّا بلغ ذلك أسد الدّين ونور الدّين لم يسعهما الصّبر دون أن يسارعا إلى قصد البلاد، أما نور الدّين فبالمال والرجال، ولم يمكنه المسير بنفسه خوفا على البلاد من الافرنج، وأما أسد الدّين فسار بنفسه / وماله وإخوته ورجاله، قال السّلطان صلاح الدّين: كنت أكره النّاس للخروج في هذه الوقعة، وما خرجت مع عمّي باختياري، وهذا معنى قوله تعالى {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (?).

ثم إن شاور لمّا أحسّ بخروج الافرنج [إلى مصر] على تلك القاعدة أرسل إلى أسد الدّين شيركوه يستصرخه ويستنجده، فخرج مسرعا، وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وخمسمائة (?)، ولمّا علم الافرنج بوصول أسد الدّين إلى مصر باتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين وعلى أعقابهم ناكصين، وأقام أسد الدّين بها يتردد إليه شاور في الأحيان، وكان وعدهم بمال في مقابلة ما خسروه من النّفقة، فلم يوصل إليهم شيئا، وعلقت مخالب أسد الدّين في البلاد، وعلم أنه متى وجد الافرنج رخصة أخذوا البلاد، وأن شاور يلعب به تارة وبالافرنج أخرى، وكان ملوكها على البدعة المشهورة، وتحقّق أسد الدّين أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور، فأجمع رأيه على القبض عليه اذا خرج إليه، وكان الأمراء الواصلون مع أسد الدّين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015