وخاف، وليس عنده شيء، فاعمل على رضى من لا بدّ لك من لقائه، واستحي ممّن بنعمته وجدت لذائذ العيش، ولا يغرّنك حلم الله تعالى عليك، ولا تعاد من أنت محتاج إليه، وحاذر بطانة السّوء فانهم يأكلون مالك ويقرّبون من النار لحمك، وشاور في أمرك من يتّقي الله {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} (?) الآية، وخف ممّن لا يحتاج عونا عليك بل لو شاء اتلافك لأخرجك عن نفسك، حتى يكون هلاكك عن يديك، سالم تسلم، فأنت على رحيل، فخذ في الزاد، والسلام» (?).
«وممّا (?) وقع في أيام باديس أنه أتاه قوم من بطانته فزعموا أن أهل تونس مبغضون فيه وفي دولته، فبعث نجيبا إلى عامل له كان بتونس وهو يقول: إقبض على من يشار إليه من أهل تونس من العلماء وأهل الدنيا، فخذ أموالهم واضرب رقابهم، وكان بالقيروان رجل من أهل السّنة، محبّا لأهل تونس (وكان صديق الشيخ - رضي الله تعالى عنه - وكان لذلك الرجل القروي صديق بتونس، وكان عند كل من المتصادقين القروي والتّونسي في بلده حمام ضار، فكان كلّما طرأ عند أحدهما / خبر في بلده كاتب به صاحبه وأرسله مع حمامه فيصل الخبر في يومه فالحمامان مقبوضان عند صاحبيهما برسم الارسال بالأخبار، فلمّا سمع القرويّ ما أنفذ به باديس إلى تونس) (?) كتب كتابا وعلّقه على الحمام، وبعثه إلى صديقه بتونس، فلمّا وصل الحمام لداره أخذ الكتاب وقرأه ومضى به لأهل العلم وأوقفهم عليه، فلمّا نظروا إليه قال بعضهم لبعض: ما لنا في هذا الأمر إلاّ المؤدّب سيدي محرز بن خلف، فأتوه وقرأوا عليه الكتاب، فلما سمع ما فيه قال: أكتبوا فيه: «قالت طائفة ليست من أهل العلم والكتاب أن أعيان تونس يؤخذون فيطلبون في أموالهم وأرواحهم وعلى السّلطان النظر في ذلك، فاحذر [رأي] وزراء السوء الذين يأكلون مالك، ويقربون لحمك وعظمك إلى النار، وأنت على سفر، فخذ في الزّاد، والسّلام على من اتّبع الهدى».