بوتر قوسه واستقرّت القواعد للسلطان ملكشاه، وفتح البلاد واتّسعت [عليه] المملكة، وملك ما لم يملكه أحد من ملوك الاسلام بعد الخلفاء المتقدّمين، فانه ملك من كاشغر بفتح الكاف وبعد الألف شين معجّمة ساكنة وغين معجّمة مفتوحة بعدها راء - وهي مدينة (?) في أقصى بلاد الترك - إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينية إلى بلاد الخزر [وبحر الهند] عرضا.
وكان من أحسن الملوك سيرة حتى لقّب «بالسّلطان العادل» / وكان منصورا في الحروب، ومغرما بالعمائر، فحفر كثيرا من الأنهار، وعمّر كثيرا من البلدان بالأسوار، وأنشأ في المفاوز رباطات وقناطر، وهو الذي بنى جامع السّلطان ببغداد سنة خمس وثمانين وأربعمائة (?)، وبنى له نظام الملك المدرسة المشهورة ببغداد، وهي أول مدرسة بنيت - كما تقدّم - وزاد في دار السّلطنة بهاء ووضع في طريق مكّة مصانع، وبذل فيها أموالا كثيرة خارجة عن الحصر، وأبطل المكوس والخفارات في جميع البلاد.
وكان لهجا بالصّيد حتى قيل إنه ضبط ما اصطاده بيده فكان عشرة آلاف، فتصدّق بعشرة آلاف دينار بعد أن نسي كثيرا منه، وقال: إنني خائف من الله تعالى من أجل ازهاق أرواح لغير مأكلها (?)، وصار (?) بعد ذلك كلّما قتل صيدا تصدّق بدينار.
وخرج من الكوفة لتوديع الحاج، فجاوز العذيب وشيّعهم بالقرب من الواقصة، وصاد في طريقه وحشا كثيرا فبنى هنالك منارة من حوافر حمر الوحش وقرون الظّباء التي صادها في ذلك الطريق وكانت تعرف بمنارة القرون، وذلك سنة ثمان وسبعين وأربعمائة (?).
وكانت السبل في أيامه سالكة والمخاوف آمنة، تسير القوافل من ما وراء النّهر إلى أقصى الشّام وليس معها خفير، يسافر الواحد والاثنان من غير خوف ولا رهبة.