القيوم محمد خان (?) - أعاد الله علينا من سحائب بركاته - فلمّا تكرر ذلك الوشي في آذان السّلطان أبي الفتح أثر كلامهم في قلبه واعتقد نصحهم فطلب نظام الملك وقال له: يا أبي - وكان يخاطبه بذلك تعظيما له لكبر سنّه وعقله - بلغني أنك تخرج من بيت المال في كل سنة ستمائة ألف دينار إلى من لا ينفعنا ولا يغني عنّا، فبكى نظام الملك وقال: يا بني أنا شيخ عجمي لو نودي عليّ في السّوق ما سويت خمسة دنانير (?)، وأنت شاب تركي (?) لو نودي عليك عساك تساوي ثلاثين دينارا، وقد اختارنا الله تعالى وفوّض أمور بلاده وعباده الينا فلم نقابله بالشّكر، ولا عرفنا قدر نعم الله تعالى، فاستمريت أنا في كتابتي وضبطي، وأنت منهمك في لذّاتك ولهوك، وأكثر ما يصعد إلى الله تعالى معاصينا دون طاعتنا وشكرنا، ويوشك الذين أعددتهم للنوائب اذا حشروا يوما كافحوا عنك بسيف طوله ذراعين وسهم لا يبعد مرماه، وهم مع ذلك منهمكون في المعاصي والخمور والملاهي، وهم أحرى بنزول القهر من نزول الفتح / والنّصر فاتّخذت لك جيشا كثيفا وعسكرا منيفا يسمّى جيش الليل وعسكر السّحر، اذا نامت جيوشك ليلا قامت هذه الجيوش على أقدامها صفوفا بين يدي ربّهم، وأرسلوا دموعهم، وأطلقوا بالدّعاء ألسنتهم، ومدّوا إلى الله أكفّهم فرموا سهاما تخترق الأرضين، وسلّوا سيوفا يعمل في كل حين طوالا، تبلغ إلى الصّين، فأنت وجيوشك في خفارتهم تعيشون، وببركاتهم تمطرون وبدعائهم تنصرون، فبكى السّلطان أبو الفتح بكاء شديدا وقال: شاباشر - أي يا أبي - استكثر لنا من هذا الجيش، فانه هو الذي لا بد لنا منه (?)، ولمّا كانت هذه النّفوس لها قابلية الخير لم يؤثر فيها كلام الحسّاد الا قليلا زال [ما بها] في الحال، وعادت إلى حبّ الخير الذي جبلت عليه، فرحم الله تلك الأرواح الطّاهرة، فلقد زالوا وما زالت أخبارهم تروى، وأحاديثهم تنشر على ألسنة الرّواة ولا تطوى.

ثم إن ملكشاه (?) أمر بقتل عمّه الذي قام عليه وطلب الاعتقال دون الموت فخنق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015