عن هذا الغدر والنكث خزيمة بن خازم (?) فقال له: يا أمير المؤمنين لن ينصحك من كذّبك، ولن يغشّك من صدقك، وإني أنصحك: لا تجر القوّاد على الخلع فيخلعوك، ولا تحملهم على نكث العهد، فينكثوا عهدك، وإن الغدر شؤم والناكث منكوث مغلوب، وصاحب الحق مظلوم، وجرت عادة الله بنصر المظلوم، وتوجّه القلوب إليه ورقّة النفوس عليه، ولذلك تأثير في الظاهر والباطن! فأبى الأمين ذلك منه، ونبذ كلامه وعمل بسقيم رأيه، وأرسل جيشا مع علي بن عيسى إلى أخيه المأمون عدّتهم أربعون ألفا، وأرسل المأمون لقتاله طاهر بن الحسين ومعه أربعة آلاف، فانهزم علي بن عيسى وقتل وذبح وشتّتت عساكره، وجاء طاهر بن الحسين برأسه إلى المأمون (?) {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ} (?).
فقوي قلب المأمون بذلك وكثر أتباعه، / ومال النّاس إليه، فجمع الجموع وسار إلى بغداد لقتال الأمين، ولا زال أمر المأمون يزيد لحسن تدبيره وانتقال الناس إليه، وأمر الأمين يضعف لكثرة لهوه وتقصيره ونفور القلوب عنه إلى أن حوصر في بغداد، وتفرّقت عنه جنوده وهربوا منه إلى المأمون، كلّ ذلك والأمين في لهوه وغفلته ولعبه مع جواريه واحتجابه عن أهل دولته (?) إلى أن هجم طاهر بن الحسين، ودخل بغداد فجاء مسرور الخادم إلى الأمين وهو في جنب حوض ماء مع جواريه يصيد معهن السّمك في ذلك الحوض، وكان وضع في أنف كلّ سمكة درّة نفيسة شبّكها بقضبان الذهب، فكلّ من صادت من جواريه سمكة كانت الدّرّة التي في أنفها لها، فرفع الأمين رأسه إلى مسرور فقال له: إن طاهر بن الحسين دخل بعسكره إلى بغداد، فقال له: دعني فإن الجارية فلانة صادت الآن سمكتين (?) وأنا ما صدت شيئا، فرجع مسرور باهتا، وإذا بالجند قد