أحاطوا بدار الخلافة ونهبوها ومسك طاهر بن الحسين الأمين بيده وحبسه، فلمّا شاهد الأمين هذا الحال قال لطاهر بن الحسين: يا طاهر اعلم أنه ما قام لنا قائم قطّ فكان جزاؤه عندنا إلاّ السيف، فانظر لنفسك أو دع يلوّح بأبي مسلم الخراساني وأمثاله الّذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في قيام الدّول، فكان مآلهم القتل، وهذه عادة الله في مقيمي الدّول، كعمر بن سعيد أقام دولة عبد الملك بن مروان فقتله، ووقع بعد ذلك / لأبي عبد الله الشّيعي حيث قام بدعوة عبيد الله المهدي، فلمّا تمّت قتله (حسبما يأتي تفصيله) (?) فأثّرت هذه الكلمة في قلب طاهر، وصار يحذر منها إلى أن قتله المأمون (?).

ثم أن طاهر بن الحسين لما رأى أن الفتنة لم تسكن بالإستيلاء على الأمين وحبسه أدخل أعجاما لا يعرفون اللسان على الأمين، وأمرهم بقتله فقتلوه وأخذ رأسه فطيف به في مدينة بغداد، ونودي عليه: هذا رأس المخلوع (?) إلى أن سكنت الفتنة، وكان ذلك في المحرّم سنة ثمان وتسعين ومائة (?).

المأمون وقضية خلق القرآن:

فآل الأمر إلى أخيه عبد الله المأمون، فكان من أجلّ بني العباس حزما وعلما وفراسة وفروسية وأقواهم ذكاء وفهما، سمع الحديث على جماعة، وتأدّب وتفقّه وبرع في فنون التاريخ والأدب، ولمّا كبر اعتنى بالفلسفة وعلوم الأوائل، فضلّ وأضلّ، وامتحن الناس بالقول بخلق القرآن، ولولا ذلك لعدّ من الخلفاء الرّاشدين، وكان يضرب المثل بحلمه، فمن حلمه أنه خرج لبعض حروبه وخلّف عنه خليفة، فثار عليه إبراهيم بن محمد ابن طباطبا (?)، دعا لنفسه ببغداد ثم أظفره الله به، ووقف بين يديه، واستشار في أمره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015