قطع الله أيديكم، وكان أبو مسلم قال عند أول ضربة: استبقني يا أمير المؤمنين لعدوّك قال: لا أبقاني الله أبدا، وأيّ عدوّ أعدى منك! فقتلوه (?). وكانت ولادة أبي مسلم سنة مائة (?) من الهجرة، وقتل يوم الخميس لخمس بقين من شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة (?) وقيل غير ذلك.
فكان المنصور أسدا شهما ذا علم وتدبير فارس الدّولة، ولم يبق له ضدّ، وحجّ غير مرّة، فكان يخرج من دار النّدوة إلى الطواف آخر الليل، يطوف ويصلّي على عادته، ويرجع ولا يعلم أحد، فإذا طلع الفجر رجع إلى دار الندوة فيجيء المؤذّنون / ويسلّمون عليه ويؤذّنون للفجر ويقيمون الصلاة فيخرج ويصلّي بالناس، فخرج ذات ليلة بالسحر وشرع يطوف، فبينما هو كذلك إذ سمع رجلا عند الملتزم يقول: اللهمّ إني أشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض وما يحول بين الحقّ وأهله من الظّلم والطّمع، فأسرع المنصور في مشيته حتى ملأ مسامعه من كلامه، ثم خرج من الطّواف إلى ناحية من المسجد ثم أرسل إلى ذلك الرجل يطلبه فجاء وصلّى ركعتين وقبل الحجر، وأقبل مع الرسول وسلّم على المنصور فقال له المنصور: ما هذا الذي سمعتك تقوله من ظهور البغي والفساد في الأرض، وما يحول بين الحقّ وأهله من الظّلم والطّمع، فو الله لقد حشوت مسامعي ما أقلقني وأمرضني، وأشغل خاطري، فقال: يا أمير المؤمنين إن أمّنتني على نفسي وأصغيت إليّ بأذن واعية أنبأتك بالأمور من أصلها وإلاّ احتجبت عنك بقدرة الله تعالى فلا تصل إليّ واقتصرت على نفسي ففيها لي شغل شاغل عن غيري، فقال: أنت آمن على نفسك، فقل: إني ألقي إليك السّمع وأنا شهيد بالقلب، فقال: إن الذي داخله الطّمع حتى حال بينه وبين الحقّ ومنع من إصلاح ما ظهر من الفساد والبغي في الأرض هو أنت، فقال: أيها الرجل كيف يداخلني الطّمع والصّفراء والبيضاء بيدي، والحلو والحامض في قبضتي، ومن يحول بيني وبين ما أريد من ذلك. فقال: هل داخل الطّمع أحدا من الناس ما داخلك يا أمير المؤمنين؟ إن الله - عزّ وجلّ - استرعاك أمور المسلمين وأنفسهم / وأموالهم، فأغفلت أمورهم واهتممت بجميع أموالهم، وجعلت بينك وبينهم