بسببهما خلقا كثيرا من العلماء قتلا وضربا ممّن أفتى بجواز الخروج عليهم، منهم الإمام أبو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - وأكرهه على القضاء فأبى، فسجنه فمات في السجن (?)، وقيل إنه سمّه في السّجن لكونه أفتى بالخروج عليه، ويسمّى لبخله أبا الدوانيق فيحاسب العمّال والصنّاع على الدّانق (?) والحبّة (?).
ومن مساوئه قتل أبي مسلم القائم بدعوتهم لأسباب غيّرت قلبه عليه، ولمّا عزم على قتله تحيّر في الإستبداد برأيه في أمره والإستشارة فقال يوما لمسلم بن قتيبة: ما ترى في أمر أبي مسلم؟ فقال {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا} (?). فقال حسبك يا ابن قتيبة، لقد أودعتها أذنا واعية.
ولم يزل المنصور يخدع أبا مسلم حتى أحضره إليه. وكان أبو مسلم ينظر في كتب الملاحم ويجد خبره فيها، وأنه مميت دولة ومحيي دولة، وأنه يقتل في بلاد الروم، وكان المنصور يومئذ برومية المدائن التي بناها كسرى، ولم يخطر ببال أبي مسلم أنّها موضع قتله، بل راح وهمه إلى أنها بلاد الروم، فلمّا دخل على المنصور رحّب به، ثم أمره بالإنصراف إلى مخيّمه، وانتظر المنصور فيه الفرصة والغوائل، ثم إن ابا مسلم ركب إليه مرارا، فأظهر له التّحنّن، ثم جاءه يوما فقيل له: إنه يتوضأ للصلاة، فقعد / تحت الرّواق ورتّب المنصور جماعة يقفون وراء السرير الذي خلف أبي مسلم، فإذا عاتبه لا يخرجون، فإذا ضرب يدا على يد خرجوا وضربوه بسيوفهم، ثم جلس المنصور ودخل عليه أبو مسلم فسلّم فردّ عليه السلام وأمره بالجلوس وحادثه ثم عاتبه وقال: فعلت وفعلت فقال أبو مسلم: ما يقال لي هذا بعد سعيي واجتهادي وما كان مني، فقال: يا ابن الخبيثة إنما فعلت ذلك بجدنا وحضّنا، ولو كانت مكانك سوداء لعملت عملك، ألست الكاتب إليّ تبدأ بنفسك قبلي، وعدد عليه أشياء فأخذ أبو مسلم يعرك يده ويفتلها ويعتذر إليه، فقال له المنصور وهو آخر كلامه: قتلني الله إن لم أقتلك، ثم صفّق بإحدى يديه على الأخرى، فخرج إليه القوم فخبطوه بأسيافهم، والمنصور يصيح: إضربوه،