ورحل يريد البحر المحيط، فانتهى إليه وأقحم فيه فرسه - لا يقف بين يديه أحد، ولا يرومه بشر - ثم نادى بأعلى صوته وهو يشير بسوطه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقال له بعض أصحابه: على من تسلم يا ولي الله؟ فقال: على قوم يونس من وراء هذا البحر، ولولاه لوقفت بكم عليهم، ثم رفع يديه إلى السّماء وقال: اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في الأرض أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك، ثم انصرف راجعا يريد افريقية، وداخل البربر منه خوف (?) عظيم، وتفرقوا في الجبال / فلما دنا منها أمر أصحابه أن يتفرقوا، فتفرقوا أفواجا أفواجا إلى افريقية، فلما انتهى إلى ثغر افريقية وهو طبنة (?)، وبينها وبين القيروان (?) ثمانية أيام، أذن لمن بقي معه في الانصراف إلى القيروان (ومال في خيل يسيرة يريد تهودة) (?) فلما انتهى إليها، نظر الروم في خيل يسيرة (فقرب لينظر إليها) (?) ويعرف قدر ما يكفيها من الخيل، فيقطع ذلك إليها، وجيوشها متياسرة عن طبنة (101) فلما انتهى إليها نظر الروم إلى قلة ما معه من الخيل، فقالوا: في قتل هذه الخيل قتل أهل الأرض كلهم وظنوا أن ذلك هو عسكره فأغلقوا باب حصنهم دونه، وأقبلوا يرمونه بالحجارة وهم في ذلك يشتمونه، وكل ذلك وهو يدعوهم إلى الله وإلى رسوله، فلما توسط البلاد نزل.
وبعث الروم إلى كسيلة الأوربي، فأعلموه بقلة من معه، فجمع له جمعا كثيرا من الروم والبربر وتسارعوا إليه ثم زحف إليه ليلا حتى نزل بالقرب منه وأحاط بعسكر عقبة وأقام كذلك حتى أصبح فلما رأى ذلك عقبة استعد له وأمر أصحابه أن لا يركب منهم أحد ويئس المسلمون من أنفسهم، وقاتل المشركون قتالا شديدا حتى بلغ البلاء، وتكاثرت في المسلمين الجراح، وتكاثر عليهم العدو، فاستشهد عقبة - رضي الله عنه - وجميع من معه - رضي الله تعالى عنهم جميعا - / واستشهد معه أبو المهاجر وكان موثوقا في الحديد (?).