عرضت التّقرير على إخواني الطّلبة قالوا: لا نفهم هذا ولا نقبله فرجعت وقررت المسألة بوجه غير الأوّل، فأتاني الشّيخ التّاجوري والذي فعله أوّلا فعله ثانيا، والذي فعله إخواننا الطلبة بالتّقرير الأوّل فعلوه بالتّقرير الثّاني، فعدت ثالثا في التّقرير، ولمّا فرغت فعل معي كما فعل أوّلا وثانيا، وردّ الطّلبة التّقرير، وجعلت أعود في التّقرير وهو يطلب الماء ويردّه، ويردّ الطّلبة التّقرير لوجود من يخالف لاستناده لبعض الشّبه، فكلّما قطعت شبهة عارض بأخرى، فاحتجت لقطعها إلى أن انقطعت الشّبه بأسرها، وانزاحت العلل بأجمعها، وتقرّرت المسألة سالمة من الشّوب والدّخل، وظهر الحقّ الذي لا لبس معه ولا خفاء، فلقي بعض الطّلبة فقال له: قل للشّيخ هكذا الأمر نعم ما صنع البارحة، لأنّ تقرير المسألة كان ليلا، فلمّا جلست بمحلي (?) الذي أجتمع فيه بالإخوان وإذا / بالشّيخ واقف على الباب وهو يقول: ناولني طعاما، فناولته شيئا من التّمر فجعل يأكل ويستزيد حتّى استكفى، فقال: يكفي، فلمّا حضر إخواننا عرضت عليهم التّقرير فأذعن من كان يخالف وقالوا بأجمعهم: لم يبق لبس ولا خفاء، فهذا تقرير في غاية الوضوح، {جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ} (?) فظهر لي أنّ الشّيخ التّاجوري أطلعه الله عمّا نحن فيه، وأنّ طلب الماء وردّه إنّما كان إشارة لعدم كفاية التّقارير الأولى، وقبول التمر وأكله إشارة لرضى السّامع بالتّقرير الأخير، فحمدت الله على الوصول لإظهار الحقّ بوجه مبين، وزاد اعتقادي في الشّيخ.

وكنت متردّدا في أمر نفعله بنفسي أو ننوّب فيه غيري، ثمّ عزمت على إرسال غيري لأنّي كنت أعمل الميعاد في المسجد الأعظم بقراءة تفسير القرآن العظيم، وتقرير أحاديث النّبي الكريم عليه أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم لنفع نفسي وإخواني المؤمنين، فخشيت أنّي إذا باشرته يعوقني عن المقصود فعزمت توجيه غيري، فأتيت يوما المسجد على عادتي فلمّا دخلت المسجد وجدته جالسا بالصّحن، وكان معي بعض الإخوان، فقال الشّيخ:

إسقني ماء فقلت لذلك الأخ: إذهب وأنه بشيء من الماء يشربه فقال الشّيخ: بل إذهب أنت / برجلك حافيا من غير نعل، فاستعفيته فلم يعفني ولم يرضى منّي إلاّ بالذّهاب بنفسي، فذهبت لدكّان بعض الحلاّقين قرب المسجد وأتيته بماء فشربه، واستزادني فزدته مرّة وأخرى، فلمّا أكثر علي أرسلت ذلك الأخ فذهب وأتاه بما كفاه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015