الشّيخ من طرابلس كنت بالباب الجبلي نكتري أجراء (?) لحصاد الزّرع فاكتريت جماعة، فقال لي رجل حاضر: زد معهم هذا الطرابلسي، فقلت له: أتطلع (?) مع النّاس؟ فقال: نعم، فطلع وعمل مع النّاس، فلمّا حضر الأكل إمتنع من الأكل فسأله بعض النّاس فقال: هذا طعام / لجماعة ولم يخصني بشيء فلا آكل، فتورّع حيث لم يعيّن له طعاما يخصّه، قال: وبات الليل كلّه مع من لا يرى، فلمّا قدم بعض الأجراء قال: أنت اكتريت رجلا وليّا من أولياء الله شاهدنا من أحوال هذا الرّجل ما لم نشاهد من أحوال النّاس.
وقال أيضا: كلّما أقام عندي لم يأكل شيئا من مشتهيات الأطعمة، وقد يقيم العشرة الأيّام وأكثر بلا أكل ولا شرب ولا ينتقل عن موضعه، وربما مشى كمشي المقيّد ولا يتكلّم بكلمة واحدة، وإذا طلب الأكل أكل ما حضر من ميسور الطّعام، وقد يأكل في بعض الأحيان أكلا ذريعا ويشرب كثيرا خارجا عن المعتاد.
وكان على الضّدّ من الشّيخ سيدي سعيد حريز، فإذا قدم على محلّ دلّ على حدوث أمر مكروه: موت أو مرض أو غير ذلك، فهو واقف في باب النذارة، والشّيخ حريز في باب البشارة، وكان كثيرا ما يلازم سقائف الحمّامات ومستوقداتها، ودخل عليه سيدي سعيد حريز يوما فضرب الشّيخ التّاجوري ضربا وجيعا فأخذ الشّيخ التّاجوري حجرا عظيما فرماه به وقال: أنت في بسط ولبس الملف (?) وأنا في حالتي هذه وتزيد عليّ، وذلك لأنّ الغالب على الشّيخ التاجوري القبض والاسقام. وكان مكشوف الرّأس حافي الرّجل كثيرا ما يتّزر ويتردّى بفوط الحمّام، وقد يحلق جميع شعر رأسه وذقنه وشاربه حتّى لا يبقى فيها شعرة واحدة.
وله إشارات / كثيرة، فمنها أنّه عرضت لنا مسئلة تعسّر على إخواننا فهمها لكثرة شبهها، فطلبوا منّي تحريرها على وجه يزيل الشّكوك والشّبه، فكتبت بقدر الإستطاعة، فلمّا فرغت من الكتابة وقف عليّ وقال: إسقني الماء فإنّي عطشان، فأتيته بشيء من الماء العذب الطيّب فأخذه بيده وردّه وقال: هذا غير سائغ أريد غيره وذهب عنّي، فلمّا