شاهد من بركاته شيئا كثيرا، وتتبّع ذلك يطول، والمقصود هو الإعلام بأنّه كان من أولياء الله المقرّبين، صاحب الوقت في هذا القرن الثّاني عشر في بلده، هذا المحقّق عندنا، وكونه من الأوتاد أو الأبدال أو النّقباء أو النّجباء لا نعلمه إلاّ أنّ علامات الأقطاب لائحة عليه، وهو أنّه قريب بعيد، صاح مجذوب إلى غير ذلك من العلامات، وله كرامات متواترة عند النّاس تواترا معنويّا لأنّ كل أحد شاهد منه أمورا خارقة للعادة.
والذي شاهدته من بعض كراماته أنّي كنت أصابني الربو وضيق النّفس في بعض السنين فاشتدّ بي الحال واستمرّت العلّة زمنا طويلا ثمّ تدارك / الله باللطف بعد اليأس.
فلمّا جاءت السّنة الثانية وأوان المرض أصابني ما أصابني في السّنّة الأولى ورجعت إلى ما كنت فيه، وكانت ليلة عيد الأضحى، فاستسلمت للقضاء، وأيست من حضور صلاة العيد، وغلب على ظنّي أنّه تطول المدّة كالسّنة التي قبلها (?)، فتعطّل النّفس وذهب النّوم، فلمّا ذهب من الليل ثلثاه وإذا بقارع يقرع الباب، فانتبهت الجارية وفتحت الباب فإذا بالشّيخ - رحمه الله - داخل، فلم يقصد من الدّار أحدا غيري ولا علم أحد بحالي إلاّ الله تعالى، فوضع يده في ظهري وكشفه وجعل يدعكه قويا وأنا أقول: إتّق الله في كيف تكشف ظهري وأنا أخاف من الهواء والبرد، وقد زدت في الغطاء مخافة البرد، فلم يلتفت وجعل يكرّر ذلك الدّعك والضّرب، فلمّا علم أنّ الله أزال العلّة رفع يده وسأل أهلي إحضار ثياب العيد، وأشار لي باللباس والخروج فقلت: لا أخرج أخاف أن تطول علّتي فضرب على صدره يشير بأنّه ضامن ولا خوف من شيء أصلا، فلا زال يستنهضني للقيام وأنا أتقاعس وأميل للفراش وقد وطّنت نفسي على عدم الخروج فغلبني، ولبست ثيابي كرها وتوضّأت وخرجت فما حصلت إلاّ العافية التّامّة، وذهب ما كنت أجده، وتمّت العافية سنين متطاولة مع أنّي كنت متخوّفا من ذلك أشدّ الخوف، ولكنّ الله سلّم / وتفضّل بالعافية على يد هذا الشّيخ الصّالح.
وكان - رحمه الله - إندق فخذه، وهو عند الأطبّاء من أصعب الأمراض، فحضر الطّبيب وعصّبه بالجبائر كلّ ذلك ولم يسمع منه حرف ولا تأوّه، ولا أظهر وجعا ولا ضجرا، بل كان مستسلما لقضاء الله تعالى، فشفاه الله في أيسر زمان، وقام يمشي على قدميه كأن لم تصبه عثرة رجل فضلا عن دقّ الفخذ.