ودخلت عليه يوما برمضان وهو يأكل فتناولت لقمة وأظهرت إرادة الأكل فأشار أن لا فقلت له: سبحان الله حرام علينا وحلال لك؟ فأشار أن نعم، فعلمت أنّ [الله] (?) اصطفاه لحضرته واختصّه (?) بكرامته وأذهله عن ضبط جوارحه للعبادة وأقامه في حضرة الشّهود وكلّ ميسّر لما خلق له.
ولمّا جاء الطّاعون الجارف سنة تسع وتسعين ومائة وألف (?) لم يسلم منه أحد، فأخبرني الشّيخ الفقيه المدرّس الواعظ أخونا في الله تعالى أبو عبد الله الحاج الأبر سيدي محمد المزيو - أمدّ الله في حياته وأجرى الصّالحات على يديه ووفّقنا وإيّاه لما يحبّه ويرضاه - قال: لمّا أصبت بالطّاعون أشفقت على نفسي وكنت من محيّي الشيخ ومعتقديه ونتبرّك بدخوله ورؤيته فقلت في نفسي: غاب عنّي الشّيخ في مرضي هذا ولم يزرني مع أنّه كان لا يغيب عنّي في أيّام العافية، قال: فلمّا طلع النّهار فإذا به دخل ورفع عنّي السّتر ورجع من حيث جاء، ثمّ رجع من الغد / وجلس عندي قليلا وتناول قليلا من الخبز واللّبن، وفي اليوم الثّالث دخل معى في الفراش وقرن رجلى وجعلها بين رجليه، وأدار يديه بعنقي وتمرّغ عليّ حتّى خشيت زهوق روحي، وأخذه حال، وظننت أنّ الأجل قد حضر، فإذا بالعرق إنسكب ولم يرسلني حتّى أخذني النّوم، فانصرف ولم نشعر بانصرافه، فلمّا استيقظت أحسست بمبادئ العافية، ورجع من الغد ففعل مثل ذلك، وفي اليوم الثالث دخل معي في الفراش وأشار لي بيده إلى الغسل والكفن فقلت: أحضرت منيّتي؟ فأشار أن لا، بل أنا، فقلت: عافاك الله، نسأل الله أن يديم علينا التّمتّع بصحتك، فأشار بأنّ الأجل قد فرغ، وأخذ منّي العهد على أنّي أتولّى غسله وكفنه، وبسط يديه للدّعاء ثمّ مسح وجهه، فما خرج إلاّ والعافية زادت، فلما خرجت من المرض بعد أيّام قليلة وتمشّيت (?) في الطّريق قيل لي: حياتك الباقية في الشّيخ، فذهبت للوفاء بالعهد، فوجدت بالدّار جمعا كثيرا من الفقهاء وغيرهم إبتدؤوا غسله فعرّفتهم بوصيّة الشّيخ فتنحّوا عنه، وغسلته وكفّنته، وحملنا سريره إلى الروضة التي إستجدّها له القائد علي الجلّولي - رحمه الله تعالى ورحم جميع المسلمين - وصلّى عليه كلّ من بقي من أهل البلد متعافيا، ودفن في وسط روضته (?) المشهورة في