والبأس، وأنّ الأتراك أوفر الناس عقلا وحزما، وإن في هدايتهم الى الإيمان صلاحا عاما وخاصا، فشاءت قدرته أن ينقل طائفة منهم من أطلالها، بل من ضلالها ليشيد بها أركان دينه القويم. فاتفق من تقدير ظهور التتار واستيلاؤهم (?) على البلاد المشرقية والشمالية وتعديهم على الأتراك (91 ب) القفجاقية، فأوقعوا بهم، وسبوا ذراريهم، وبيعوا في الأسواق، وجلبهم التجار الى الآفاق، فسيق منهم الى الديار المصرية، والبلاد الشامية في أواخر الدولة الأيوبية، جموع من الشبان، وأواسط الفتيان، فاشتروهم (?) ملوك بني أيوب بأنفس الأثمان، واتخذوهم عدة في النوائب لما فيهم من الشجاعة والإقدام، ورمي السهام، ودربتهم برياضة الخيول، فصيروا منهم الأمراء الأكابر ومقدمي العساكر. وأول من اهتم بتحصيلهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأخوه الملك العادل أبو بكر، ثم أولاده الكامل والأشرف والمعظم. فلما أفضت المملكة الى الملك الصالح نجم الدين أيوب ولد الكامل، استكثر منهم وبذل المجهود في تحصيلهم، وبذل فيهم الأموال العظيمة، واعتمد عليهم لما جرب من حربهم ونصحهم وثباتهم، فتكمل عنده منهم العدة الوافرة. فلما انقضت أيامه وقضى نحبه فأساء ولده معهم التدبير وبذل لسانه في مذمتهم والتوعد بإزالة نعمتهم، فحملهم ما رأوه من نقص رأيه على ما ذكرناه من أخباره، فكان كالباحث عن حتفه بظلفه والجادع (?) مارن (?) أنفه بكفه، ولم يسمع قول القائل: [السريع]

لا تنبش الشّر فتبلى به ... فقلّ من يسلم من نبشه

إذا طغى الكبش بشحم الكلى ... أدرج رأس الكبش في كرشه

(92 أ) ولعله لو أنصفهم لم تمتد أيدي النوائب اليه، لكن المقدور جرى بتلك الأمور، وأنشدوا في المعنى: [الطويل]

إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده

ثم أنهم أقاموا الأمير عز الدين أيبك التركماني الجاشنكير الصالحي، وصيروا اليه حكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015