مستهل شعبان من هذه السنة. ودفن بسفح المقطّم، وأوصى أن تكتب عند رأسه دو بيت نظمه في مرضه، وهو يقول:

أصبحت بقعر حفرة مرتهنا ... لا أملك من دنياي إلا كفنا

يا من وسعت عباده رحمته ... من بعض عبادك المسيئين أنا

ثم دخلت سنة خمسين وستمائة

فيها قويت شوكة البحرية واستفحلوا وزاد شرهم، وعلا ذكرهم واجتمعت كلمتهم، وكان كبيرهم ومقدمهم الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار (?) الصالحي، وكان كلما دعت حاجة (?) لأحد من البحرية أو قصد زيادة، دخل على الأمير فارس الدين وسأله في ذلك، والأمير فارس الدين يدخل بنفسه الى الأمير عز الدين [أيبك] (?) يأخذ له ما طلبه.

وفيها طلب الأمير فارس الدين (91 أ) لنفسه ثغر الاسكندرية، فأعطيه، وكتب له به منشورا. واستطالوا (?) البحرية على الأمير عز الدين وتوثبوا عليه (?) وثوب الأسود على الضأن.

وفيها كان مبتدأ ملك الترك ومبدأ أحوالهم، فأقول وبالله التوفيق: إن الله تعالى أخلاهم من بلادهم الشاسعة وأقطارهم الواسعة، وساقهم الى مملكة الديار المصرية بحكمته وقاد إليهم أمرها بأرمّته بأسباب مشتملة على حكم لا تدرك العقول أغوارها، ولا تبلغ الخواطر أسرارها، ومن المستضعفين منهم بتورثهم ممالك الإسلام. وذبّهم عن حوزة أهل بيته عليه السلام، تصديقا لأخباره وتحقيقا لآثاره، المنتقاة المدونة عن الثقات، أنه لا تزال فئة تقاتل عن هذا الدين ظاهره الى يوم القيامة. ولما انتهى ملك الديار المصرية بعد الدولة العبيديّة، الى الذرّية الأيوبية كما ذكرناه مساقا وأوردناه اتساقا، فلما شاء الله عز وجل بانقراضها، وقضى بانتقاضها، وسبق في علمه أنّ صلاح الناس في توليه أولي النجدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015