إن من أعظم أسباب صعوبة علوم الحديث، ومن أشدّ أسباب غموض فنونه هو ذلك الاختلاف الكبير في مصطلحاته وفي بعض قواعده. ولذلك كان من المهمّ أن يَتقلّصَ هذا الاختلافُ قَدْر المستطاع؛ لأن الاختلاف في القاعدة يؤدّي إلى اختلاف في عددٍ كبير من المسائل الجزئيّة التي تنبني عليها؛ ولأن الاختلاف في تفسير المصطلحات سيُغيّرُ فَهْمَنا لكلام العلماء وأحكامهم، وبالتالي سيؤول إلى الاختلاف في التقعيد أيضاً.

وكان تقليصُ هذا الاختلاف سهلاً لو كان الاختلافُ غيرَ منهجي كُلَّه، أي لو كان الاختلاف نشأ مع اتّحادِ منهج البحث والدراسة، وأنه إنما نشأ بسبب عدم الاطلاع على بعض أدلّة البحث وعدم ملاحظة جميع معطياته. حيث إن الاجتهاد المتّفِقَ في المنهج المختلِفَ في النتائج، زوالُ الاختلاف فيه يكون باستكمال البحث في أدلّة المسألة المختلف فيها. أمّا الاختلاف المنهجي، فلا علاقة له بالاطلاع على الأدلّة أو عدم الاطلاع عليها، وإنما هو متعلّقٌ بأصول الدراسة ومَنْحَى التأمُّل والنظر.

والواقع: أن الاختلاف في علوم الحديث منه ما هو اختلافٌ جزئي، ومنه ما هو اختلافٌ منهجيّ. والذي يعنينا هو الاختلاف المنهجي؛ لأهميته، ولخطورته.

لقد جاءت هذه المقالة لبيان مسألةٍ مهمّة في سبيل تصحيح ذلك الخطأ المنهجي، وقبل بيان الأمر الذي عالجه هذا المقال، أودّ توضيح ذلك الخطأ المنهجي الذي نتحدّث عنه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015