بل لقد قامت مؤلّفاتٌ ضخام لجمع تلك الغرائب، مثل: المعجم الأوسط للطبراني (ت 360هـ) ، والغرائب والأفراد للدارقطني (ت 385هـ) ، وهما أكبر كتب الغرائب وأجلّها مطلقاً.
بل حتى من عَمَدَ إلى التأليف على منهج كتب السنن، أي في جمع أحاديث الأحكام، لم يَعْمَد إلى جمع المشاهير كما فعل أبو داود، وإنّما عمد إلى جمع غرائب أحاديث الأحكام، كما فعل الإمام الدارقطني، في كتابه الجليل (السنن) (?) . وكأنه بذلك يُتمّمُ عمل أبي داود، ويؤلف كتاباً في الزوائد عليه (?) .
إن حاجة السنة إلى إبراز الأسانيد الغرائب؛ لما لها من علاقة كبيرة في التعليل والجرح والتعديل، ولأنّ منها ما هو صحيح مقبول أيضاً (وإن كان أكثرها ليس كذلك) هذا هو الذي جعل علماء هذه المرحلة يسعون إلى القيام بهذه المهمة الشاقّة.
لكن الحكم بالغرابةِ والتفرُّدِ ليس أمراً مقدوراً عليه لعموم المحدّثين، فضلاً عمّن سواهم، بل هو من خصائص كبار حُفّاظ السنّة؛ لأنّ الحكم بالغرابة يتضمّن دعوى الاطلاع على السنة جميعها، فلا يقوم به إلا من كان أهلاً لمثل هذه الدعوى.
ولذلك قال محمد بن طاهر المقدسي (ت 507هـ) في مقدّمة كتابه: أطراف الغرائب والأفراد للدارقطني: ((وأمّا الغريب والأفراد فلا يُمكن الكلام عليها لكل أحد من الناس، إلا من برع في صنعة الحديث)) (?)