وعلم مصطلح الحديث ليس بدعاً من العلوم ... وبمراجعة كلام الحافظ في النخبة نجده يؤرخ للتصنيف في علم المصطلح فيقول: (فمن أول من صنّف في ذلك: القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه) المحدث الفاصل (لكنه لم يستوعب والحاكم أبو عبد الله النيسابوري لكنه لم يهذب ولم يرتب وتلاه أبو نعيم الأصفهاني فعمل على كتابه مستخرجاً وأبقى أشياء على المتعقب ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنّف في قوانين الرواية كتاباً سماه (الكفاية) وفي آدابها كتاباً سماه (الجامع لآداب الراوي والسامع) وقلَّ فن من فنون الحديث إلا وقد صنّف فيه كتاباً مفرداً، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: (كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه) .
ثم جاء بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب فجمع القاضي عياض كتاباً لطيفاً سماه (الإلماع) وأبو حفص الميانجي جزءً سماه (ما لا يسع المحدث جهله) وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت وبسطت ليتوفر علمها واختصرت ليتيسر فهمها. إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمر عثمان بن الصلاح عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور فهذب فنونه وأملاه شيئاً بعد شئ فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب، ثم تكلم الحافظ عن كتابه هو قال: فلخصته في أوراق لطيفة سميتها (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر) على ترتيب ابتكرته، وسبيل انتهجته مع ما ضممت إليه من شوارد الفرائد وزوائد الفوائد، فرغب إلي ثانياً أن أضع عليها شرحاً يحل رموزها ويفتح كنوزها ... الخ) (?) .