وتوالت التآليف في علوم الحديث عبر القرون، فتجلّت في تلك التآليف مواهب علماء الأمّة بما أبدعوه من فنون النقد والشرح والتوضيح لمقالات أسلافهم والاستدراك على ما فاتهم والاستخراج عليهم، في مسيرة تطويريّة دؤوبة انتهت بهذا العلم إلى أن يصفه مؤرّخو العلوم بأنّه علم نضج واحترق إشارة إلى ما بلغه من كمال.
وقد تأثّر بمنهج المحدّثين في تحرير قواعد قبول الروايات وضبط أصول الإثبات التاريخيّ، علماء أكثر الفنون النقليّة كعلماء التاريخ واللغة والأدب..فقلّدوهم في الاجتهاد والتثبّت وتطبيق قواعدهم للتوثّق من صحّة منقولاتهم، حتى أصبح علم الحديث على ملحظ الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ» أساسا لكلّ العلوم النقليّة «، بل هو على حدّ تعبير الشيخ محمد عبد الرازق حمزة» منطق المنقول وميزان تصحيح الأخبار «. وأضحى لا يختلف حول أهمّيّته وجليل نفعه إثنان من أهل هذا الشأن.
وإذا كان هذا شأن هذا العلم الشريف من الرفعة والدقّة والشمول فماذا عسانا أن نضيف في ندوتنا هذه؟
إنّ علوم الحديث قامت على عنصرين كبيرين وهامّين:
الأوّل منهما: هو التعاريف والحدود لأنواع هذه العلوم التي رصد منها أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في القرن الرابع إثنين وخمسين نوعا، لتصل على يدي الإمام السيوطي في القرن العاشر إلى ثلاثة وتسعين نوعا، وقد استخدمت في بنائها وضبطها مصطلحات ذات دلالات معيّنة واختيرت لها أمثلة تطبيقيّة تدعم تلك الحدود والتصوّرات.
والثاني: هو قواعد النقد والتمحيص للتحقّق من ثقة الراوي وصحّة الرواية وصلوحيّتها للاحتجاج بها، ومن ثبوت النصوص التاريخيّة وصولا إلى معرفة الحقيقة وحلّ الغوامض.