ومن هذا الاعتراف ما قاله الإمام ابن رجب الحنبلي وهو يشير إلى فضل هؤلاء المتقدّمين: ((وكذا الكلام في العلل والتواريخ قد دونه أئمة الحفاظ وقد هُجِر في هذا الزمان ودَرَس حفظُه وفهمه. فلولا التصانيف المتقدمة فيه لما عُرف هذا العلم اليوم بالكلية، ففي التصنيف فيه ونقل كلام الأئمة المتقدمين مصلحةٌ عظيمة جدا، وقد كان السلف الصالح مع سعة حفظهم وكثرة الحفظ في زمانهم يأمرون بالكتابة للحفظ، فكيف بزماننا هذا الذي هجرت فيه علوم سلف الأمة وأئمتها ولم يبق منها إلا ما كان مُدَوَّناً في الكتب لتشاغل أهل الزمان بمدارسة الآراء وحفظها)) (?) .
ومن ذلك ما قاله الإمام الذهبي (ت 748هـ) : ((وهذا في زماننا ـ لاحظ: زمان الذهبي الذي هو القرن السابع ـ يعْسُر نقدُه على المحدث، فإن أولئك الأئمة، كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد وفُقدت العبارات المتيقَّنة، وبمثل هذا ونحوه دخل الدَّخَلُ على الحاكم في تصرفه في المستدرك)) (?) .
ومنه ما قاله الإمام ابن كثير: ((أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن (أي في جرح الرواة) فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم، واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة، والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكاً أو كذاباً أو نحو ذلك فالمحدث الماهر لايتخالجه في مثل هذا وقفةٌ في مواقفهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم)) (?) .