وبقدر ما يتوافر لدى الناقد من القرائن يتقوى شعوره، حتى يصل إلى العلم بأن الحديث ثابت عن مصدره، وأنه تم نقله عنه عبر رواته من غير وهم ولا خطأ، مع كونه من خبر الآحاد، ولا يتوقف الجزم بذلك أبدا على تواتره، كما هو الشائع لدى كثير من المثقفين الذين ينظرون في الحديث من زاوية ثقافتهم، دون احترام أهله من النقاد القدامى، ودون اعتبار شعورهم تجاه الحديث.
وبما أن هذا الأمر من علم الخاصة؛ فإنه لا يمكن أن يكون للجميع شعور النقاد وإحساسهم تجاه الحديث ومدى إفادته اليقين والعلم، ولذا يتعين على غيرهم التسليم بذلك، سواء أفاد ذلك عنده الظن أم لا.
وأما النقطة الرابعة - وهي ضرورة العمل على ربط منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف، والجرح والتعديل، بتعريف مصطلح الحديث ومبادئه - ففي غاية الأهمية، لأنها تساعد الطلبة على استيعاب علوم الحديث واستقامة التعامل مع مصطلحات القوم؛ إذ الهدف من دراسة علوم الحديث هو معرفة منهج المحدثين في التصحيح والتعليل من خلال فهم مصطلحاتهم ومعانيها التي اطلقوها عليها، حتى لا تحمل على غير محملها.
وهناك أمثلة كثيرة من المصطلحات، قد يتخيل إلى دارسها أن معانيها عند النقاد مقيدة بما ورد في التعريفات، ومن خلال دراسات مستقلة قام بها بعض طلاب الدراسات العليا حول أهم المصطلحات، كالمنكر، والشاذ، والحسن، والصحيح، والمضطرب، والمجهول، والثقة، والصدوق تبين خلاف ذلك.
ونذكر هنا مثالا واحدا؛ إذا كان مصطلح (المنكر) استقر معناه في كتب المصطلح، واشتهر تعريفه بمخالفة الضعيف لمن هو أوثق منه، أو بتفرد الضعيف، لكن النقاد أطلقوه على ما رواه الثقة والصدوق والضعيف والواهي إذا خالف الراجح، أو تفرد بما ليس له أصل، دون أن يتقيدوا بمرويات الضعفاء، وعلى الرغم من وضوح ذلك فكثير من الباحثين اليوم لا يزالون متقيدين بما استقر في كتب المصطلح، ويحملون عليه كلام النقاد.